في الأزمات… تعاظم دور الدولة التدخلي لحماية الوطن
د. قحطان السيوفي
عندما يتعرض الفرد أو المؤسسة أو حتى الجماعة لأزمة تشخص الأبصار والقلوب إلى الدولة القادرة والعادلة لتقوم بدورها، السياسي، والاقتصادي والعسكري؛ لحماية الوطن… لأن الدولة؛ الحضن الدافئ، والملاذ الآمن، والراعي الصالح، للأفراد والمؤسسات… وخاصة في ظل الأزمات…
التاريخ الاقتصادي المعاصر يشير إلى أن (الولايات المتحدة الأميركية، وبريطانيا) عملتا، في ثمانينيات القرن الماضي، لإضعاف دور الدولة في الحياة الاقتصادية… وتهميش دورها في مرحلة الليبرالية الجديدة المنفلتة من القيود والضوابط… وقال الرئيس الأميركي ريغان يومها (الحكومة لا تحل.. مشكلتنا، هي نفسها أصل المشكلة) وأدى هذا الاتجاه إلى الانفلات بحجة أن الأسواق تنظم نفسها بنفسها… وجاءت العولمة لتشجع ما سمي الشركات العابرة لحدود الدول متجاوزة المؤسسات التشريعية الوطنية… وبدا السوق وكأنه أصبح، مع ضعف دور الدولة، بمنزلة كازينو مقامرة للمؤسسات المالية والمصرفية العملاقة.
انطلقت الأزمة المالية العالمية خريف 2008 وانهارت المؤسسات المالية والمصرفية الخاصة في الولايات المتحدة (معقل النظام الرأسمالي…) وفي العالم… وبدأت الحكومات بالتدخل وضخ الأموال العامة في شرايين اقتصاداتها المأزومة لإنقاذ المؤسسات الخاصة المنهارة وأصبحت الدولة الملاذ الآمن… وأعيد دور الدولة التدخلي الإيجابي الإنقاذي لتنظيم الاقتصادات الوطنية وحماية حقوق المواطنين. وبات تدخل الحكومات يمثل حلاً واقعياً، بعد إخفاق النمط الاقتصادي القائم على إعطاء حرية مطلقة لأسواق المال…. بالمقابل نجحت الصين الدولة الاشتراكية، في تحقيق معجزة اقتصادية وبقيت الدولة الصينية توجه الاقتصاد الصيني العملاق المنفتح على العالم من خلال السياسات الحكومية الصينية المرنة القائمة على التدخل الإيجابي في الأسواق…
الدولة الوطنية في العالم العربي، اليوم، مستهدفة من جماعات تكفيرية لا وطن لها تؤمن بالإرهاب العابر للحدود وسيلة لتحقيق أهدافها. وتدعمها بعض الدول النفطية العربية… تمويلاً، وتسليحاً… واستغلت ما سمي الربيع العربي، لاستهداف الدول ومؤسساتها… ونشر الفوضى التي بشرت بها (كونداليزا رايس) وزيرة خارجية أميركا السابقة… وأوصلت دول الربيع العربي إلى شتاء أسود تفككت معه الدولة… ليبيا مثلاً…. وما جرى ويجري في سورية مثال حي على تورط بعض دول النفط في تمويل ودعم المجموعات الإرهابية المسلحة ضد الشعب والدولة في سورية… عندما تتعرض الأوطان للأزمات والحروب… يستهدف الأعداء رموز الدولة ومؤسساتها: المؤسسة العسكرية، علم الدولة، والعملة الوطنية.
سورية اليوم تتعرض لحرب تدعمها وتقودها قوى الاستعمار القديم والحديث بتحالفات إقليمية، إسرائيلية، تركية، وبعض دول عربية خليجية، هذه الحرب الكونية الإرهابية هدفها تدمير الدولة الوطنية السورية برموزها ومؤسساتها. ومنها ضرب الاقتصاد السوري وإضعاف العملة الوطنية (الليرة السورية) التي تمثل أحد رموز السيادة الوطنية، فصمد الوطن بفضل الجيش العربي السوري الذي حمى سورية الوطن والدولة، وبقي المواطن السوري صامداً في كل مكان من أرض وطنه… يقدم الشهداء ويعمل بجد لينتج السلع والخدمات ويتحمل المعاناة المعيشية… وكل الصعوبات التي فرضتها تحديات الحرب على الوطن ومن ضمنها انعكاسات انخفاض القوة الشرائية للعملة الوطنية بفعل الصعوبات والمشاكل الاقتصادية الخارجية والداخلية التي أنتجتها الحرب، ومنها العقوبات الاقتصادية الظالمة التي فرضت على سورية.
الشجاعة، والحكمة، والواقعية؛ تشكل مثلث القوة الضروري الذي يجب توافره في قرارات المسؤولين في الدولة أثناء الأزمات… ومن الضروري أن يكون لديهم الخبرة في العمل العام، والقدرة على التحمل والانضباط، والإحساس العالي بالمسؤولية في تطبيقهم للقوانين والأنظمة، والتعامل مع المواطنين بصدق وشفافية. بعيداً عن الابتزاز والفساد… وألا يتهربوا من المسؤولية… يجب أن يتمتع المسؤول في الدولة بالقدرة على المبادرة في الظروف الاستثنائية للأزمة… مثلاً التدخل الإيجابي للحكومة في ضبط سعر صرف العملة الوطنية يجب أن يتم عبر المؤسسات المعنية… وألا يكون مؤقتاً ونتيجة ردات فعل لظروف عارضة… بل يجب أن يأتي وفق برامج عمل ومعايير وضوابط واقعية وفق الإمكانات المتوافرة… وأن يؤدي إلى خفض مناسب لارتفاع أسعار السلع وخاصة الأساسية منها لحياة المواطن، وأيضاً على الحكومة رقابة وضبط هذه الأسعار… في الأزمة المطلوب من الدولة التدخل لاستئصال ضعف الخبرات في مواقع المسؤولية الحكومية، ومحاسبة المسيئين ومستغلي استخدام السلطة… ولا وقت للتعلم والتجريب في الأزمات… ويجب الاستفادة من الخبرات الوطنية ذات الكفاءات من ذوي الإحساس العالي بالمسؤولية الوطنية لإشراكهم في معركة حماية الوطن… كما يجب تعزيز ثقة المواطنين بعضهم ببعض… وتعزيز الثقة بين المواطن والدولة كونه يؤدي إلى النجاح في مواجهة ظواهر الفوضى والاستهتار، ومخالفة القانون، والفساد… ولما كان هدف المؤامرة ضرب الدولة الوطنية بمؤسساتها ورموزها فإن الرد يكون بالتفاف المواطنين حول الدولة للتصدي للمؤامرة والإرهاب… ما يعزز ويدعم دور الدولة التدخلي الإيجابي كحاجة وطنية بامتياز… لمواجهة التداعيات السياسية والاقتصادية والعسكرية للأزمة… ليهزم الإرهاب… ويخرج الوطن منتصراً.