لا يغيظ الولايات المتحدة الأميركية وحلفاءها الغربيين، أو بالأصح أتباعها، إلا إرادة الشعوب الحرة عندما تفقأ عيون إعلامها المنافق، الذي يريد القول لنا في كل صباح إن واشنطن، وباريس، ولندن حريصة على الشعوب وديمقراطيتها وحرياتها، وكأنها هي مصدر شرعية أي انتخابات في العالم، والحاكم العالمي الذي يجب على كل دولة أن تأخذ منه شهادة حسن سلوك.
في الوقت نفسه تمنع وتعرقل مواطني هذه الدولة أو تلك من إبداء آرائهم بحرية، وتغلق عينيها عن الحشود البشرية الهائلة التي تدفقت في عواصم العالم في الانتخابات الرئاسية السورية مثلاً، وهذا كان من بيروت إلى 46 عاصمة أخرى من دول العالم بما فيها عواصم دول غربية، ومع ذلك كله يتشدق علينا وزراء خارجية أربع دول غربية مع الولايات المتحدة ببيان يوم الثلاثاء 24 أيار الجاري، يعتبرون فيه «أن هذه الانتخابات لن تكون حرة ولا نزيهة» وتدعو ما تسميه «المجتمع الدولي إلى رفض محاولات النظام (وفقاً لمصطلحها الممل) إعادة اكتساب الشرعية مجدداً» دون أن يبين لنا بيان الوزراء الديمقراطيين من أين تكتسب الشرعية، أليس من الشعب السوري حصراً!
ومع ذلك يتابع بيان الأميركي أنتوني بلينكن، والألماني هايكو ماس، والبريطاني دومانيك راب، والفرنسي جان ايف لودريان، والإيطالي لويجي دي مايو، القول: إنهم يدينون إجراء الانتخابات خارج إطار القرار 2254 دون أن يقولوا للرأي العام إنه لا علاقة البتة بين إجراء الانتخابات الرئاسية وفقاً لدستور 2012، والمواعيد الدستورية المحددة فيه، وبين هذا القرار الدولي، وهي محاولة تضليل، واختباء خلف قرار دولي يتحدث في مقدمته عن وحدة سورية، وسيادتها، واستقلالها، وأن القرار للسوريين وحدهم، وليس لبيان وزراء خارجية دول غربية.
غريب أمر هؤلاء، هم يشعرون بأن القطار يسير بسرعة، وأن الصورة تصفعهم في عواصم العالم كلها، وفي الداخل السوري، وإذا كانوا يستندون في بيانهم إلى مصطلحات مضللة، وملتبسة مثل قولهم: «إن الوزراء الغربيين يؤيدون أصوات جميع السوريين، خصوصاً المنظمات غير الحكومية «إن جي أوز» (من أحباب وعملاء وأدوات الغرب المعتمدة) والمعارضة السورية الذين نددوا بهذه العملية الانتخابية بوصفها غير شرعية»!
هنا يُطرح السؤال على هؤلاء الوزراء إذا كان مصطلح «جميع السوريين» المستخدم في بيانهم، فمن هم هؤلاء الذين تدفقوا كالطوفان البشري خلال الأيام الماضية داخل سورية وخارجها، وهل تنظيماتكم التي مولتموها تمثل أحداً؟ ثم ألا تخجلون بعد الآن من ذكر اسم معارضة سورية في الخارج وهي جثة هامدة لا تحتاج سوى إلى دفنها! ما يلفت الانتباه في البيان الغربي أنهم مرروا عبارة «جميع السوريين» لكنهم أضافوا كلمة «خصوصاً» أي خصوصاً عملاء الغرب وأدواته!
في كل الأحوال تأكيد بيان الوزراء الغربيين على احترام المعايير الدولية، والشفافية، والنزاهة هو أمر تفضحه الأحداث التاريخية، في كثير من دول العالم وتعريه، ولكن لمن لا يعلم شفافية أميركا ونزاهتها، ومعاييرها المطلوبة، سأُذكر ببعض معاييرها المطلوبة للانتخابات، والتي طبقتها في الكثير من دول العالم، فقط للتذكير كي يغلق هؤلاء المدعون أفواههم بعد الآن، منها:
1- أميركا تتدخل في دول أميركا اللاتينية والجنوبية والشمالية منذ عام 1898، حيث احتلت كوبا وبورتوريكو منذ ذلك التاريخ، وفي عام 1906 أطاحت أول رئيس منتخب لكوبا استرادا بلاما، وشكلت حكومة احتلال حتى عام 1909 وأعادت احتلال كوبا عام 1917.
2- دعمت واشنطن كل الأنظمة الديكتاتورية الفاشية في القارة الأميركية حيث فرضت أنظمة موالية لها في المكسيك، وهاييتي، وغواتيمالا، والدومينيكان والتشيلي عندما أطاحت بـانقلاب عسكري بـسلفادور آليندي المنتخب، كما شكلت فرق قتل وموت لتصفية معارضيها، كما تفعل في سورية من خلال نماذج مثل «قسد، داعش، النصرة» وغيرها من فرق القتل والإرهاب.
3- إذا أخذنا بوليفيا وفنزويلا كأمثلة حديثة، فقد عملت واشنطن على الإطاحة بالرئيس الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز عام 2002، وتحاول الإطاحة بالرئيس الحالي نيكولاس مادورو حالياً، كما أنها نفذت انقلاباً ضد الرئيس البوليفي إيفو موراليس، واعتبرته خطوة نحو الديمقراطية، تخيلوا ذلك!
في كل مرة تكسر إرادة الشعوب إرادة واشنطن، وتعبر بانتخابات حرة عن دعمها للزعماء الوطنيين، كما حصل في بوليفيا وفنزويلا، وحتى البرازيل التي تبين أن رئيسها لولا داسيلفا سجن ظلماً.
4- لمن يريد أن يتذكر أكثر فإن أول انقلاب عسكري في سورية دعمته السفارة الأميركية هو انقلاب حسني الزعيم 1949، من أجل أنبوب النفط وكيان الاحتلال الصهيوني، وفي إيران تمت الإطاحة بمحمد مصدق وإعادة الشاه، وما أكثر الأدلة والشواهد التاريخية على نفاق واشنطن وأتباعها، والطريف في الأمر أن واشنطن حللت الانتخابات التي جرت تحت سلطة احتلالها في أفغانستان والعراق، وتحرم انتخابات تجري في بلد سيد مستقل، وسلطة وطنية مثل سورية.
ولذلك فإن الحديث عن معايير واشنطن وأتباعها طويل طويل، وهؤلاء لم يدركوا بعد أن العالم يتغير، وأن مستقبل سورية حدده أبناؤها بدمائهم وتضحياتهم وصبرهم، بعد انفضاح إنسانية الغرب وأدواته ونفاق إعلامه وسياساته.
اليوم التالي للانتخابات الرئاسية السورية هو المزيد من العمل، والمزيد من الأمل من خلال توحيد الجهود الوطنية، والتركيز على خدمة شعبنا، وتغيير منهج تفكيرنا باتجاه الإيجابية، وتجاوز الصعاب التي لن يتوقف بعض الغرب عن وضعها أمامنا، ومحاولة عرقلة تقدمنا للأمام.
رسالة اليوم التالي من السوريين، أننا نحن أصحاب القرار فقط، فالعالم تغير، وما عليكم سوى توفير الورق والحبر لبياناتكم، التي لا تأثير، ولا وزن لها أمام شعب قرر أن ينتصر، وأمام إرادة لا تكسر.
وعليكم التعامل مع الواقع الجديد الذي فرضه الشعب العربي السوري بتضحياته الهائلة، مع جيش عظيم، ورئيس حكيم، مقاوم، عربي أصيل، يؤمن بأن الأمل بالعمل، كما يؤمن كل سوري صادق.
ندرك جميعاً بأن اليوم التالي للانتخابات الرئاسية السورية سيكون مختلفاً، ولكن فقط من خلال العمل، والتخطيط، والتنفيذ، والابتعاد قدر الإمكان عن الأمل من دون عمل، فالعمل عنوان المرحلة القادمة التي لن تكون سهلة أبداً، ولكن الشعب الذي أسقط أخطر وأقسى حرب تُشن عليه، هو مؤهل وقادر على تقديم النموذج الوطني لإعادة بناء الإنسان والحجر، وفقاً لرؤيته وأهدافه، وظروفه، وبما يحقق مصالحه الوطنية.
وليس أوهاماً يكتبها بعض الغرب في بياناته التي آن لها أن تتوقف عن سياسات الوعظ والتنظير، التي تنسفها ممارساته على الأرض، والتي مللنا من تكرارها حتى باتت أسطوانة مشروخة.