لا أحد يشك بأن استمرار أي انقسامات داخل البيت الواحد وقيادته يدفع عادة ثمنها الشعب وتولد الصعوبات في تحقيق أهدافه وهي بالمقابل تتيح للعدو قدرة على الاستفراد بهذا الطرف أو ذاك ومحاصرة قوته بل تستهدف الجميع من البداية للنهاية، ففي كل ميزان قوة بين طرفين تعد وحدة البيت الداخلي قيمة هائلة في كفة أي من الطرفين، ويلاحظ الجميع أن الطرف «الإسرائيلي» يعد موحداً في مواقفه تجاه التمسك بالاستيطان ومنع تشكيل دولة أو أي كيان سياسي فلسطيني مهما كان حجم وشروط وجوده في الأراضي المحتلة أو على أي جزء منها، وكذلك التنكر لكل حقوق الشعب الفلسطيني الوطنية والسياسية فوق ما بقي من الأراضي التي يقيم فوقها.
ومن الملاحظ بالمقابل أن وحدة الشعب الفلسطيني تجلت في كل مكان داخل وخارج الأراضي المحتلة بشكل صارخ وميداني بعد عدوان قوات الاحتلال على أحياء مدينة القدس والمسجد الأقصى وتوسعه إلى حرب تدمير بالطائرات والقذائف ضد الشعب في قطاع غزة.
ولا أحد يشك في واقع الأمر أن رد فصائل المقاومة المسلحة في قطاع غزة الصاروخي حقق انتصارا ميدانيا على جيش الاحتلال وعلى المستوطنين في فلسطين، وأنجز نقلة نوعية لقدرة هذه الفصائل ودورها والتمسك باحتضانها من كل الشعب الفلسطيني برغم كل التضحيات التي قدمها في قطاع غزة وبقية الأراضي المحتلة، وأصبح سلاح وحدة هذا الشعب واصطفافه حول دور المقاومة يثير الرعب والفزع بجيش الكيان الصهيوني والمستوطنين بعد الرعب الذي استبد بهم أثناء سقوط صواريخ القطاع على تل أبيب ومعظم مستوطنات جنوب فلسطين المحتلة منذ عام 1948. ولكي يتجنب الكيان الإسرائيلي مضاعفات نتائج هذه الجولة وتصديها لعدوانه بدأت تزداد في خطابه السياسي والتحريضي وفي تحليلات وسائل إعلامه الدعوة إلى تفتيت وحدة الشعب والمقاومة بكل طريقة ووسيلة بهدف إعادة الانقسام إلى حالته السابقة بين غزة ورام اللـه ولعزل دور المقاومة المسلحة من القطاع عن القدس وبقية الأراضي المحتلة.
ولذلك يرى المحللون في تل أبيب أن هذه الجولة التي حققت فيها الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة مكاسب في الميدان يجب على الحكومة الإسرائيلية الآن تحويلها إلى انقسام بين غزة والضفة الغربية من جديد، وفي الاتجاه نفسه يطالب مسؤولون في تل أبيب بمنع وجود أي صلة بين إعادة الإعمار في القطاع وبين جولة الانتصار التي تحققت بفضل صواريخ القطاع، ولا شك أن استمرار وجود مرجعيتين في الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية والمحررة المحاصرة في قطاع غزة سيفتح باباً يدخل منه الكيان الإسرائيلي علناً لخلق انقسام جديد تتبناه تل أبيب وتعمل على توسيعه بكل طريقة ممكنة، لكي تتجنب دفع استحقاق هذا النصر الميداني المسلح للشعب في قطاع غزة وبقية الأراضي المحتلة وبهدف تفكيك هذه الوحدة التي فرضت نفسها في جولة المجابهة العسكرية هذه.
ولذلك يصبح المطلوب من أجل منع الكيان الإسرائيلي عن تحقيق هذا الهدف هو تأكيد الطرفين في رام اللـه وغزة بكل الأشكال والوسائل الفلسطينية على وحدة الجميع تجاه صيانة وتعزيز هذه الوحدة على كل المستويات الممكنة لجمع غزة والضفة الغربية وشعبنا في الأراضي المحتلة منذ عام 1948 وكل الشعب الفلسطيني في خارج الوطن، ولا شك أن هذا الموقف والتمسك به يعد وفاء وتقديراً لا نظير له لدماء جميع الشهداء الذين دفعهم الشعب الفلسطيني في كل جولات المجابهة ضد قوات الاحتلال.
وإذا كانت الأحزاب في الكيان الإسرائيلي تتجه بسرعة في هذه الأوقات نحو تشكيل حكومة ائتلافية لتصعيد المجابهة ضد الشعب الفلسطيني بعد هذه الهزيمة الميدانية فإن المطلوب من الفصائل الفلسطينية وضع مهمة صيانة دورها الموحد في أول أولويات جدول عملها.