أشنع النفاق
حسن م. يوسف :
شرور الطبيعة ليست طبيعية فحسب بل هي ضرورية أيضاً. فالأفعى تضع في كل موسم نحو مئة بيضة، ولولا النمل الذي يأكل الكثير من بيوض الأفاعي، لما تركت لنا تلك الزواحف بقعة مأمونة على سطح هذا الكوكب، ولولا الأفاعي التي تتغذى على الفئران لكانت هذه الكائنات قد ملأت العالم بدورها، لأن كل زوج من الفئران ينجب خلال عام ونصف العام أكثر من مليون وليد وحفيد!
قبل فترة كتب الصديق العزيز الفنان مصطفى الخاني عن حادثة كان شاهداً عليها أثناء تصوير مسلسل سوري في إحدى الغابات. فقد رأى (أحدهم) صرصوراً يعبر من أمام المرحوم الفنان القدير عبد الرحمن آل رشي، فهجم عليه وسحقه، وقد استفز هذا النجم آل رشي، فأنَّب الفاعل واستنكر فعلته قائلاً: «لو كان هذا الصرصور في بيتك فمن حقك أن تقتله، لكنك أنت من تحل ضيفاً ثقيلاً عليه فلماذا قتلته؟».
صحيح أن العقلاء من بني البشر تمكنوا من اكتشاف جوانب مفيدة من سموم الطبيعة القاتلة، فربوا الأفاعي واستخدموا سمومها في تركيب كثير من الأدوية. وصحيح أن وجود الأفعى في البرِّيَّة أمر طبيعي، وقيام أفعى بلدغ شخص ما في غابة هو مجرد حادث مؤسف، لكن قيام شخص شرير باصطياد تلك الأفعى ورميها في غرفة معيشة شخص آخر كي تلدغه ليس حادثاً، بل هو جريمة متعمدة!
لا شك أن أفعى العنعنات الطائفية كانت ولا تزال موجودة في براري حياة المسلمين منذ أن اختلف الصحابة من المهاجرين والأنصار في سقيفة بني ساعدة بعد وفاة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، لكن الغرب قرر الاستثمار في تربية تلك الأفعى بغية تسميم مجتمعاتنا وإعادتها إلى العصر الحجري.
عندما أوفدتني وزارة الإعلام السورية إلى أميركا عام 1996 شاهدت في بهو وزارة الخارجية الأميركية شخصاً بملامح عربية، ولما سألت عن ذلك الشخص قيل لي إنه جزائري ويمثل الجبهة الإسلامية للإنقاذ. سألت عما يفعله ذلك الرجل في ذلك المكان فقال لي أحد العارفين إنه يستقبل هناك في كل يوم تقريباً! ومن يبحث، يجد أن العشرات من الآباء الروحيين للإرهاب يحظون بالرعاية والحماية في عواصم الاستعمار الجديد؛ واشنطن وبرلين ولندن وباريس!
لقد قام الغرب طويلاً باحتضان بيضة الطائفية التي فقست أخيراً وخرج منها تنين الإرهاب، ولم أكن يوماً بغافل عن هذا الشر، فقد قلت على شاشة الفضائية السورية بعد غزو العراق، إن الغرب قد خلق مسخ الإرهاب ووضعه في حضننا، ثم راح يطلق علينا رصاصه وقنابله وعقوباته الإجرامية بحجة أنه يريد محاربة الإرهاب، والحقيقة أنه يريد ثروات منطقتنا دوننا.
لقد جندت أميركا لهذه الحرب على الدولة السورية كل أفاعي العالم وراحت تتدخل من بعيد لتوجيه الصراع كي يكون صراعاً طويلاً لا يحرق الأخضر الإبراهيمي واليابس ابن المستورة فحسب، بل يحرق المنطقة بكاملها ويحولها إلى فتات يسهل اللعب به، غير أن التدخل الروسي غير إيقاع رقصة الموت.
يقال إن من يلعب مع الأفاعي لا يسلم من لدغاتها، فمن دربتهم أميركا وسمتهم «المعارضة المعتدلة» باعوا أسلحتهم لداعش وذابوا بحيث لم يبق منهم سوى ستة أنفار بلغت كلفة تدريبهم خمسمئة مليون دولار! وها هي أميركا اليوم تبحث عن مسمار جحا في بلادنا إذ تنوي، قبل أن تسبقها التطورات الميدانية، إرسال خمسين جندياً إلى شمال سورية كمستشارين لمقاتليها «المعتدلين»، وهذا يعني أن حصة كل واحد من تلك الكائنات المهددة بالانقراض هي ثمانية مستشارين وثلث المستشار!
ما من نفاق في التاريخ أشنع من نفاق أميركا عندما تنتقد العمليات التي يقوم بها الجيش السوري ضد من تصفهم بـ«قوات المعارضة». ففي عام 1993، قامت أميركا بإبادة طائفة «الداوديين» بزعامة ديفيد كوريش في بلدة «واكو» بولاية تكساس مستخدمة الطائرات والرصاص الحي، بحجة عدم سماحهم للأمن بتفتيش مزرعتهم وحيازتهم أسلحة حربية.
حقاً، من استحوا ماتوا!