«لقد أعدتم تعريفَ الوطنية وهذا يعني بشكل تلقائي إعادة تعريف الخيانة، والفرق بينهما هو كالفرقِ بين ما سمي ثورةَ وثوار، وما شهدناه من ثورانِ ثيران، هو الفرق ما بين ثائرٍ يتشرب الشرف، وثور يهوى الذل، بين ثائر نهجُه عزٌ وفَخار، وثورٍ يهوى العار، وما بين ثائر لا يركع إلا لخالقه، وثور يخر ساجداً أمام الدولار».
بهذه الكلمات المعبرة وجه الرئيس بشار الأسد كلمته إلى الشعب السوري الوفي المعطاء الذي بايع قيادته التي وقفت بوجه كلّ المخطّطات والمؤامرات وبقيت وفية لدماء الشهداء التي سالت سخيّةً دفاعاً عن الأرض السورية، وترجمت بإيمان السوريين في الدفاع عن هويتهم العربية والذود عن كرامتهم الوطنية، الأمر الذي شكل رسالة قوية للعالم أجمع تضمنت الوفاء لسورية الوطن وتأكيداً على صحة خيارات ورؤية قيادتها الإستراتيجية التي حالت دون تحقيق مخطّطات الأعداء رغم كل الصعاب والتضحيات والحصار الجائر والظروف الاقتصادية القاسية.
الرئيس بشار الأسد تابع مخاطباً الشعب السوري قائلاً:
«لقد عرّفتم الثورة الحقيقية وأعدتم إليها ألقها بعد أن لوث اسمَها جزء من المرتزقة وفاقدي الشرف من الحاملين لجواز سفر سوري، أنقذتم سمعتها وأعدتم إطلاقها، لذلك ما حصل لم يكن احتفالات على الإطلاق، بل كان ثورةً بكل ما تعنيه الكلمة من معنىً حقيقي لا مجازي، ثورة ضد الإرهاب والخيانة والانحطاط الأخلاقي، ثورة لسان وقلم وعمل وسلاح، ثورةٌ عنوانها الشرف ضد كلِ ساقط ارتضى لنفسه أن يكون مطية يمتطيها الآخرون ليصلوا به إلى حيثما يشاؤون».
إن ما حصل في سورية ليس مجرد عملية انتخابات رئاسية، بل إن مشهد الزحف البشري الهائل للشعب السوري هو تعبير خالص عن الإصرار بأن هذا الشعب اختار طريق العزة والكرامة واختار الدفاع عن حرية القرار السيادي السوري، موجهاً أنبل رسالة عرفها التاريخ بأن ما من شعب أراد الحياة بحرية وكرامة وبسيادة وطنية لا تباع ولا تشترى إلا وكان النصر حليفه واستجاب له القدر.
حين تتلاحم إرادة شعب عزيز وفيّ كشعب سورية وعزيمة جيش معطاء عظيم كالجيش العربي السوري في موقف واحد يعبر عن الثقة المطلقة بقيادته الحكيمة التي حافظت على الوطن السوري والتي لم تهن ولم تتراجع يوماً، قيادة تسلحت بإيمان مطلق بنصر سورية، قيادة واجهت الأزمات بإرادة صلبة وبعزيمة لا تلين وصبرت صبراً إستراتيجياً، فلا بد لهذه القيادة أن تكون أهلاً لثقة ولدعم السوريين لها تماماً كالتي ترجمت بمشهد الحشود السورية في شوارع وباحات سورية.
منذ اتخاذ القيادة السورية قرار إجراء الانتخابات الرئاسية طبقاً لنصوص الدستور السوري منطلقة من الحفاظ على السيادة الوطنية اعتمدت قوى الشر ممارسة شتى أنواع التضييق واعتماد الحصار والخناق الاقتصادي على الشعب السوري في محاولة مكشوفة الأهداف لتأليبه ضد قيادته، إلا أن الشعب السوري رفض كل تلك المحاولات اللئيمة متسلحاً بعزته وبالكرامة الوطنية ولبس بدرع الدفاع عن المبادئ والقيم والهوية الوطنية رافضاً مبدأ الخنوع والابتزاز الذي يمارس عليه.
إن الشعب السوري بلغ مستوى عالياً من الوعي الوطني ترجم في الإصرار على عدم إعطاء الأعداء أي فسحة قد تؤهلهم لاختراق هذا المجتمع المتماسك، وهذا ما أسهم في صمود سورية الأسطوري قيادة وشعباً وجيشاً الأمر الذي مكن سورية من بلوغ شط الأمان بعد أمواج عاتية من المؤامرات الكونية.
إن مشهد وقوف الشعب السوري خلف قيادته مبايعاً في كل باحات سورية هو موقف يسجل في صفحات التاريخ وهو درس للأطفال وللأجيال السورية خاصة وللأجيال العربية عموماً، كما أن هذا المشهد السوري العظيم ذكرنا بموقف الشعب المصري حين أصر على مبايعة الزعيم العربي جمال عبد الناصر1967 رغم كل ظروف الحرب الأليمة.
سورية بعد الانتخابات الرئاسية ليست كما قبلها، هذا ما قاله نائب وزير الخارجية بشار الجعفري، ومما قاله الجعفري أيضا في مقابلة متلفزة لقناة الميادين: «ثبت عند الجميع أن هذه الانتخابات هي مقياس النصر لسورية والهزيمة للبعض، إن الصبر الإستراتيجي تكلل بهذا النصر الإستراتيجي، الغرب يخطئ معنا في محاولاته فرض ديمقراطيته علينا الأمر الذي لا يمكننا القبول به، إن ما جرى في سورية هو تصويت على الخيارات بما فيها التحالفات الإستراتيجية لسورية، إن سورية بعد الانتخابات ستعود قبلة الدبلوماسية في المنطقة»، والجعفري قال إن الواقع الاقتصادي يفرض نفسه على القيادة السورية، وختم كلامه قائلاً: «سورية اليوم وصلت إلى ذروة النصر وبقناعة أعدائها وعلى لسان المسؤولين في واشنطن».
لقد تكبد الشعب السوري مرارة العيش في تأمين احتياجاته اليومية جراء الحصار الجائر ولم يستسلم ولم يتراجع وبقي وفياً مخلصاً لقيادته، بيد أن الواجب الوطني يقتضي البحث عن حلول جدية تقي هذا الشعب العظيم عذابات الحصار وتؤمن احتياجاته وذلك لتعزيز مقومات صموده، فحين تجتمع القضية والمشكلة فإن المشكلة تتقدم على القضية، فلا يمكن لمواطن الاستمرار في الصمود في حين تراه لاهثاً يبحث عن مقومات الحياة لعائلته.
إن مضاعفة العمل والبناء واجب وطني سوري مكافأة للسوريين لنكون جديرين بتضحيات وثقة هذا الشعب الذي سطّر للعالم رسالة فيها ملاحم الصمود الأسطوري، متضمنة أبلغ الكلام وبأنّه شعب يستحقّ الحياة بعزّة وكرامة.
الرئيس الأسد ختم رسالته للسوريين قائلاً: في نهاية العملية الانتخابية وبداية مرحلة العمل شكراً لجميع السوريين على وطنيتهم العالية ومشاركتهم اللافتة في هذا الاستحقاق الوطني.
الرحمة لأرواح شهدائنا الأبرار الذين لولاهم لما بقيت سورية، والشفاء لجرحانا وكل التحية لرجال جيشنا العربي السوري البطل، ولأجل تضحياتهم جميعاً، ولأجل مستقبل أطفال سورية وشبابها، فلنبدأ من الغد مرحلة العمل لنعزز الأمل ببناء سورية كما يجب أن تكون.