ظاهرة «السحر والشعوذة» ليست مرتبطة بمجتمع دون سواه، وليست مرتبطة بمعتقد دون غيره، أو بثقافة مختلفة عن الأخرى. لا بل هي تشكل موروثاً متأصلاً بالبشرية منذ قديم الزمان، ولكنّ التعاطي معها أصبح مختلفاً مع تواتر السنين، وتطور المجتمعات، واختلاف الثقافات مع العادات والتقاليد للشعوب.
وتجدر الإشارة إلى أن طرح هذا الموضوع، يجب أن يتم دون أن يكون فيه أي استفزاز للمعتقد المعتنق للأشخاص، أو للبيئة، أو لمشاعر الناس. إذاً هذا أمر يتطلب الكثير من الحذر والدقة، لأجل تحقيق الغاية في الطرح المعرفي والعلمي والمتأصل بطبيعة البيئة الفكرية دون أي مبالغة.
وللحديث أكثر حول هذا الموضوع، نتوقف عند بعض المسلسلات التلفزيونيّة والتي تقدمت بهذا الطرح، مضافاً إليها بضع نقاط.
في الأسباب
بين الاستغلال والاستنزاف المالي والنفسي والعاطفي، وبين الضعف وقلّة الحيلة، يكون الجهل سيد الموقف. بمعنى غياب الوعي المجتمعي عند الناس، والمترافق مع اليأس لكل حالة منفردة، والتي تتشكل وتتطور نتيجة لأسباب مختلفة، يضع الأشخاص ضحية لطلبات الدجالين والمشعوذين.
إذاً الوعي المجتمعي لا يمكن أن يُنسب فقط لطبقة الأثرياء، بمعنى أن هناك من طبقة الأرستقراطيين من يفتقر للوعي، وخصوصاً عندما يفشلون بإيجاد حلول لمشكلاتهم، فيندفعون ويلجؤون للتنجيم والأمور الغيبية، بحثاً عن سبل تبعث في نفوسهم السكينة والراحة النفسية.
يضاف إلى ذلك ما يأتي من الوضع الاقتصادي المزري من بؤس على كلّ الصعد، بحيث يمنع من التعلّم أو اكتساب الثقافة وحتى يمنع من تطوير الذات، هذا التردي يدفع الأشخاص ليكون حلّ مشكلاتهم، هو اللجوء لممارسة هذا الطقس مهما كلّف الثمن.
وبالمقابل لابدّ من الإشارة إلى بعض النقاط المتعلقة بالجانب الآخر، أي الدجالين والمشعوذين، بحسب العديد من الدراسات المتعلقة بعلم الاجتماع، فإن نسبة النساء اللواتي يعملنّ بهذا المجال، هي أكثر من الرجال، والسبب الأساس لاحتراف هذا العمل هو كسب المال، وأيضاً نضيف بأن الدجالات هنّ بأعمار تفوق الأربعين، وبالنسبة للمترددين عليهم أثبتت الدراسات، ارتفاع نسبة الذكور باللجوء إلى السحرة والمشعوذين مقارنة بالإناث، وعلى الخصوص الشباب من الفئة العمرية (من 30 سنة إلى أقل من 40 سنة) هم أكثر تردداً، وفي مقدمتهم المتزوجون.
ابن خلدون وصناعة السحر
لطالما أبدى العالم والمؤرخ المبدع ابن خلدون اهتمامه بعالم السحر والسحرة، حتى إنه عرّفه بقوله: «هو علم بكيفية استعدادات تقتدر النفوس البشرية بها، على التأثير في عالم العناصر بغير مُعين أو بمعين من الأمور السماوية».
ومن هذا التعريف ندرك بأن ابن خلدون اعتبر السحر علماً من العلوم التي يتعلمها بعض الناس، لإخضاع العناصر والأشياء وتسييرها لجعلها رهن أمر الساحر، إلى حد أن يتمكن من تحقيق الإبهار للطرف الآخر. ومن أبحاث ابن خلدون ندرك بأنه ربط السحر بالعديد من الحضارات القديمة منها: الحضارة البابلية، والسريانية، والكلدانية.
ويذكر ابن خلدون نوعين من السحر أحدهما يأتي عن طريق الصناعة، ويقصد بذلك صناعة السحر عن طريق تسخير القوى المجهولة في عمل الساحر أو عن طريق الإيحاء النفسي، والذي بقوته هو يكون سيد الموقف من حيث التأثير، بمعنى أن إحالة الأجسام النوعية من صورة إلى أخرى، من هيئة وطبيعة معينة إلى هيئة أخرى، إنما يكون بالقوة النفسية، لا بالصناعة العملية، وهنا يقوم المشعوذ بإيهام الناس برؤية أمور غير موجودة، أو إيهامهم بعدم رؤية ما هو موجود من حولهم، وهذا هو الصنف الثالث للسحرة، إذاً صنفهم ابن خلدون إلى ثلاثة: الصنف الأول يتضمن السحرة الذين يملكون مواهب خارقة في داخل أجسامهم تمكنهم من مزاولة أعمالهم السحرية، فهم يأمرون قوى الطبيعة فتطيعهم بما لديهم من إمكانيات خارقة قد تكون مجهولة لدى الناس أو حتى لدى الساحر نفسه، أما الصنف الثاني فهم يزاولون أعمالهم بمساعدة من الأفلاك والكواكب، أو بتسخير الحروف والأرقام ضمن طرق مقننة معروفة لديهم ويستخدمونها في تحقيق ما يبتغونه من أمور.
في الدراما التلفزيونية
لطالما أثارت الأعمال التلفزيونية التي ناقشت قضايا السحر والشعوذة جدلاً واسعاً، رغم كونها وفي حقيقتها تسعى إلى تعرية الفوارق الاجتماعية والثقافية الهائلة في المجتمعات، إضافة إلى تفنيد الأوضاع والظروف التي تساهم في نشر هذه الممارسات أو العمل بها.
ورغم اختلاف الأسلوب الدراميّ من حيث طرحه للقضية، سواء أكان الأسلوب كوميدياً أو درامياً، إلا أن الطرح يبقى شائكاً.
ففي الدراما السورية نقف عند مسلسل «ليل ورجال» الاجتماعي، للمخرج سمير حسين ومن تمثيل: أسعد فضة، فراس إبراهيم، سمر سامي، سليم كلاس، نجاح حفيظ، صفاء سلطان، سعد مينه وغيرهم. هذا المسلسل الذي كان سباقاً في طرح هذا الموضوع، واعتمد على التشويق في سرد الأحداث وخصوصاً بأن الموضوع يحتاج هذا العنصر، وانطلق من العلم والمعرفة منهجاً ليبتعد عن الاستفزاز، والذي لابدّ أن يكون بطريقة أو بأخرى لحساسية الموضوع. ولكنّ المخرج حسين رصد البيئات كما هي دون أي تحريف أو مبالغة، موضحاً الفرق الكبير والشاسع ما بين مهمة رجال الديانات السماوية، وما بين هؤلاء الدجالين والمشعوذين والذين يستغلون ضعف وجهل وحاجة ضحاياهم الملحة، من هنا يأتي أحد محاور المسلسل في شخصية (أمينة) والتي تجسدها الفنانة صفاء سلطان، (أمينة) تزوجت في سن مبكر، وعاشت مع زوجها (حسام) في أسرته شبه المعدومة، الزوجة بطبيعة الحال تتعرض للضغوط من عائلة زوجها، ولجهلها بأسباب الفتور والجفاء التي وقعت بينها وبين زوجها، تلجأ (أمينة) لأحد المشعوذين الذي يستغل بساطتها وصغر سنّها، ويحاول السيطرة عليها واستغلالها بطرق متنوعة.
في الدراما المصرية أحببت أن أتوقف عند نفس الطرح ولكن بأسلوب تشويقي مختلف، في مسلسل «عفاريت عدلي علام» الاجتماعي الكوميدي، للزعيم عادل إمام (عدلي)، وهو موظف في دار للكتب وصحفي ينشر مقالات نقدية لاذعة بأسماء مستعارة، تظهر له عفريتة اسمها (سلا) من عالم الكتب، وتقتحم حياته وحياة عائلته وتقع في غرامه. ويشارك إمام في التمثيل: هالة صدقي، غادة عادل، مي عمر، عزت أبو عوف، شريف حلمي وآخرون.