أيام تفصلنا عن نهائيات العرس القاري الأكبر في العالم المتمثل بالنسخة السادسة عشرة لنهائيات كأس الأمم الأوروبية (يورو 2021) وسط استعدادات مكثفة لمتابعة 24 منتخباً تمثل النخبة في القارة العجوز، بالأمس قدمنا لمنتخبات المجموعة الأولى واليوم نواصل تقديمنا للمنتخبات المشاركة عبر سطور قليلة ونأتي على المجموعة الثانية التي تضم منتخبات متقاربة المستوى، وفي حناياها ذكريات الماضي التليد لهذه المسابقة والمتمثل بالمنتخب الروسي الوريث الشرعي لإمبراطورية السوفييت أول المتوجين بالكأس الأوربية قبل 61 عاماً وكذلك بطل آخر متوسط البعد تاريخياً ونقصد هنا الديناميت الأحمر الدانماركي صاحب أولى المفاجآت الصارخة في عالم بطولات كرة القدم العالمية، وإلى جانبهما هناك فريق الشياطين الحمر البلجيكي ثالث المونديال الأخير ووصيف بطل القارة قبل 41 عاماً والطامح لمجد أوروبي أول، وأيضاً المنتخب الفنلندي أحد الضيوف الجدد على البطولات الكبيرة، وتقام منافسات هذه المجموعة في مدينتي سان بطرسبورغ الروسية وكوبنهاغن الدانمركية.
أحلام الشياطين
لا تختلف المقدمات عن منتخب بلجيكا في كل المناسبات الكبيرة منذ مونديال 2014 فالفريق الملقب بالشياطين الحمر دخل ذاك المونديال مرشحاً للوصول إلى أدوار متقدمة وفي يورو 2016 بدأ البطولة كأحد أقوى المرشحين للظفر بلقبها وفي المرتين خرج من ربع النهائي، وإذا كان الخروج من الأولى أمام الأرجنتين بصعوبة بالغة منطقياً فإن الخسارة من ويلز كانت مفاجئة بالثانية، وذهب الشياطين إلى مونديال روسيا 2018 مرشحين للمنافسة وبالفعل صنعوا إنجازاً تاريخياً ببلوغ مربع الكبار وكانوا قاب قوسين من النهائي لكنهم اكتفوا بالمركز الثالث يومها، واليوم على مشارف البطولة القارية لا يختلف الأمر كثيراً رغم التغيير على مستوى بعض النجوم وتقدم آخرين بالسن، فالفريق الذي أكمل التصفيات بالعلامة الكاملة مازال في عز توهجه بقيادة المدرب روبرتو مارتينيز الذي سيكمل عامة الخامس مديراً فنياً للشيطان، وقد كان وراء إنجاز 2018، ويطمح لإنجاز يضاهيه قارياً، ونتائجه خلال السنوات الخمس تمنحه التفاؤل بهذا الأمر فقد خاض 54 مباراة لم يخسر سوى أربع منها مقابل 42 فوزاً و8 تعادلات أي بنسبة فوز بلغت 77% وهذا الرقم الأعلى بين مدربي البطولة الحالية.
تشكيلة مارتينيز المستدعاة إلى البطولة زاخرة بالنجوم وعلى رأسهم إيدين هازارد وكيفن دي بروين (رغم إصابته الأخيرة) وروميلو لوكاكو والحارس العملاق تيبو كورتوا، وإلى جانب هؤلاء أيضاً من الخبراء المهاجم بينتيكي ودرايس ميتينز وأليكس فيتسل وأيضاً تورغان هازارد وناصر الشاذلي، وعنصر الخبرة هو الأكثر وضوحاً في الخطوط الخلفية بوجود فيرتونخين وألديرفايلد وفيرمايلين وتوماس مونييه ومعهم الأصغر سناً تيموتي كاستاني وجاسون دينييه وديندونكير، وفي الصفوف الأمامية هناك المتألق تيليمانس ويانيك كاراسكو ويريمي دوكو أصغر اللاعبين (19 عاماً) ويلعب لرين الفرنسي وهناك دروسارد وباتشواي ودينيس برات.
وظهر المنتخب البلجيكي في البطولة 5 مرات من قبل، فحل ثالثاً على أرضه 1972 ثم وصيفاً في إيطاليا 1980 وخرج من دور المجموعات في فرنسا 1984 وكذلك في أرضه مرة أخرى عام 2000، وربع نهائي النسخة الأخيرة، وخاض 17 مباراة فاز في 7 منها وتعادل مرتين وخسر ثماني مرات، والأهداف 22/25، علماً أنه حقق العلامة الكاملة للمرة الأولى في تصفيات النسخة الحالية بعشرة انتصارات وبرصيد 40 هدفاً مقابل 3 أهداف بمرماه.
القياصرة وأحلام العرش
كلما تكلمنا عن روسيا نستذكر أيام الاتحاد السوفييتي، فالروس هم ورثة الإمبراطورية المترامية الأطراف بكل شيء وبالطبع في عالم المستديرة، ورغم أن الدب الأحمر لم يسبق له الجلوس على عرش الكرة العالمية لكنه كان يوماً ما بطلاً للكرة الأولمبية ولاعباً أساسياً في النسخ الأربع الأولى لبطولة الأمم الأوروبية بل هو البطل الأول ليورو 1960 أيام طيب الذكر ياشين وشركاه، لكن الوريث لم يكن على قدر الحمل فغاب كثيراً عن الأعراس الكروية الرفيعة رغم المحاولات الجادة للارتقاء بمستوى الأندية والمنتخب الأحمر من خلال صرف الأموال الطائلة على اللاعبين الأجانب ليصبح الدوري الروسي للمحترفين بشكل حقيقي.
ولم يحقق المنتخب نتائج ترتقي إلى سمعة السوفييت إلا عندما بلغ نصف نهائي يورو 2008 كأفضل إنجاز منذ تفكك الإمبراطورية، ولم يبن على ذلك الإنجاز فتراجعت النتائج كثيراً رغم المواظبة على حضور نهائيات أوروبا في النسخ الثلاث الأخيرة، وأيضاً في المونديال البرازيلي 2014 قبل أن تستضيف روسيا النسخة الأخيرة وفيها حقق الفريق بقيادة المدرب تشيرشوف نتائجه الأفضل في الكرنفال العالمي ببلوغ ربع النهائي عقب إطاحته اللاروخا الإسباني لكنه خسر أمام الناري الكرواتي وفي المرتين بركلات الترجيح.
ويدخل المنتخب البطولة الحالية بآمال عريضة وطموحات كبيرة خاصة أن مباراتين من ثلاث في الدور الأول ستكونان على أرضه ومنها المباراة الأهم أمام بلجيكا الفريق الوحيد الذي خسر الروس أمامه بالتصفيات، ويعتمد المدرب تشيرشوف الذي مازال على رأس عمله للسنة الخامسة على لاعبين من الدوري المحلي على رأسهم القائد الهداف أرتيم دزوبا ومعه في الهجوم سبولوف وزابولتني، وفي الوسط أندريه موستوفوي وأرسين زخريا ورومان زوبنين، إضافة إلى المحترفين ألكسي ميراتشوك لاعب أتلانتا ودينيس تشرشيف لاعب فالنسيا وألكسندر غولوفين لاعب موناكو، وفي الدفاع هناك المخضرم يوري جيركوف والمجنس ماريو فيرنانديز وإيغور ديفييف وأندريه سيمونوف ورومان يفكيفنكو والمحترف في تركيا فيدور كودرياشوف ويتقاسم حراسة المرمى أنتوني شونين وأندريه لينوف بعدما رفض أكنفييف الحارس المخضرم المشاركة أو العودة بالأحرى بعدما أعلن اعتزاله الدولي عام 2018.
وبعيداً عن أمجاد السوفييت ظهر المنتخب الروسي 5 مرات في النهائيات فكان خروجه أعوام 1996 و2004 و2012 و2016 من الدور الأول في حين خسر نصف نهائي 2008 أمام البطل الإسباني، وخاض 17 مباراة في النهائيات فاز بخمس منها وتعادل 3 مرات مقابل 9 هزائم، وقد احتل المركز الثاني في تصفيات 2020 وراء المنتخب البلجيكي بثمانية انتصارات وخسارتين كانتا أمام المتصدر.
الديناميت والمعجزة
كانت ومازالت حكاية تتويج المنتخب الدانماركي بلقب يورو 1992 تدرّس إلى الآن في قاموس كرة القدم العالمية، فالفريق الملقب بالديناميت كان لاعبوه يقضون إجازاتهم في أماكن متعددة بعد موسم طويل قبل أن يستدعيهم اليويفا للمشاركة في الجارة السويد بدلاً من يوغسلافيا المعاقبة ونجح الأخوان لاودروب وشمايكل وبقية عصابة الفايكنغ الأحمر بمباغتة الجميع وظفروا بالكأس للمرة الأولى والأخيرة بالطبع، فرغم المحاولات الأربع اللاحقة للاقتراب من المعجزة التي حققها ذاك الجيل إلا أنها لم تتجاوز ربع النهائي، على صعيد كأس العالم كان الوقع أسوأ فكان الحد الأعظم دور الستة عشر مرتين خلال أربع محاولات كذلك.
وبعد قرابة ثلاثة عقود على تلك (الشطحة) خرّجت الدانمارك الكثير من اللاعبين المهمين ومنهم من مثّل أندية كبيرة مثل شمايكل الصغير ودال توماسون وآغر وسواهم لكن المنتخب لم يرق كمجموعة أو أفراد إلى تلك الجوقة الجميلة التي خاض معظمها ربع نهائي مونديال 1998 أمام البرازيل، وبالتالي لم يقدر المنتخب على محاكاة إنجاز 1992، ويدخل الديناميت الأحمر البطولة الحالية على أمل تجاوز خيبات الماضي القريب وتحسين السجل القاري من جديد خاصة أنه سيخوض منافسات الدور الأول في عاصمة بلاده (كوبنهاغن) للمرة الأولى، وهناك يقوده المدرب كاسبر هولماند ابن التاسعة والأربعين الذي تسلم مهامه في الصيف الماضي، وقد حقق نتائج جيدة في دوري الأمم عندما احتل وصافة المجموعة الثانية للتصنيف الأول على حساب إنكلترا وآيسلندا ولم يخسر خلالها سوى أمام بلجيكا.
ويعول المدرب كالعادة على كتيبة متكاملة من المحترفين بقيادة سيمون كاير (ميلان) وكاسبر شمايكل (ليستر) وكريستيان أريكسن (إنتر ميلانو) وأندرياس كريستانسن (تشيلسي)، ومعهم لاعبون أقل شهرة أمثال برياتويت ودولبرغ ودامسغارد وهويبيرغ وميهالي ودانييل واس وجواشيم أندرسن، وسبق للدانمارك المشاركة ثماني مرات في اليورو، فحلت رابعة في 1964 وبطلة في 1992 ونصف نهائي 1984 وخرجت من الدور الأول 3 مرات، والحصيلة 27 مباراة (7 انتصارات و6 تعادلات و16 هزيمة، والأهداف 30/43.
ضيف خفيف الظل
في عام 1936 شارك منتخب فنلندا بأولمبياد برلين وخسر من البيرو 3/7، ومنذ ذلك الحين فشل المنتخب الملقب بالبوم بالتأهل إلى بطولة كبرى رغم محاولاته الحثيثة في التصفيات المونديالية التي بدأت 1938 وحتى على مستوى اليورو التي بدأت في نسخة 1968، وأتاح النظام الجديد لبطولة القارة العجوز وزيادة عدد المنتخبات للمنتخب الأزرق أن يحقق حلماً طال انتظاره فبلغ النهائيات للمرة الأولى وهاهو يستعد لخوض غمارها إلى جانب منتخبات أكثر عراقة وخبرة وأفضل من جهة العناصر.
فالفريق الذي يشرف عليه المدرب ماركو كانيرفا منذ خمس سنوات يضم لاعبين كثيرين يلعبون خارج البلاد لكنهم يعتبرون من الصف الثالث أو ما دون ذلك ولم يرتق أحدهم ليصل إلى شهرة ليتمانن على سبيل المثال أو حتى سامي هيبيا، ولعل تيمو بوكي لاعب نوريتش الإنكليزي هو الأشهر والأفضل في المنتخب الفنلندي حالياً، ومن الأسماء التي يعول عليها المدرب هناك: آبو هالمي وفريدريك يانسن وجاري أورنين وهالامانين وروبي ريسكي وروبرت إيفانوف.
المنتخب الفنلندي الذي أنهى التصفيات بالمركز الثاني ضمن المجموعة العشرة برصيد 18 نقطة وراء المنتخب الإيطالي وسجل 6 انتصارات و4 هزائم منها اثنتان أمام الآتزوري وواحدة من اليونان وأخرى من البوسنة، وسبق له خوض 114 مباراة في التصفيات الأوروبية حقق خلالها 33 فوزاً و24 تعادلاً و57 هزيمة والأهداف 125/172، وربما لاتصل أحلام بوكي ورفاقه إلى ما فعله الجار الدانماركي أو الهولندي أو البلجيكي حتى الناري الكرواتي في مشاركتهم الأولى لكنهم يأملون بإنهاء البطولة دون فضائح كبيرة.