قضايا وآراء

ظنوها عشراً عجافاً!

| منذر عيد

لم يكن الزلزال والزحف البشري، للمشاركة في الانتخابات الرئاسية ليذهبا هكذا هدراً بلا أي نتائج أو منعكسات تتجاوز الصندوق الانتخابي، ولم يكن ذاك المشهد كذلك وليد ساعته، بل هو حصاد عشرية من الصبر والصمود؛ ونصر سياسي، أقل ما يقال فيه تثبيت لنصر تحقق في العديد من المعارك التي خاضتها سورية بمرتكزاتها الثلاثة، الجيش والقيادة والشعب، في حربها على الإرهاب وداعميه.
وإذا كانت شارات النصر في معارك الميدان راية وطن ترفرف على التخوم الأمامية في جبهات القتال؛ فإن شارات النصر السياسي الذي سجلته سورية في إنجاز الاستحقاق الرئاسي، هي انكسارات وتراجعات في مواقف الأعداء، وحشود دبلوماسية خلف أبواب دمشق بانتظار الدور للدخول، أو الصفح عما اقترفه البعض من دولها من خطايا بحق سورية وشعبها وقيادتها.
في سردية بسيطة للوضع المتوقع في سورية المستقبل، سورية ما بعد الانتخابات، وفي قراءة للمشهد العام الإقليمي والدولي المحيط، وما تشي به الأخبار، بعيداً عن التحليلات فإن انفراجة كبيرة تطل برأسها من خلال المشهدية العامة، وانقلاباً كبيراً إن لم يكن جذرياً تتحضر له ساحات الميدان في سورية، سواء على وقع صرير الأقلام في شمال شرق البلاد، أم أزيز الرصاص في شمال غربها، سواء عاجلاً في الأولى أم آجلاً في الثانية.
يؤكد المشهد الأول الذي رسم ملامحه الخبر الذي نشرته مصادر كردية إعلامية، وتأكيده أن قرار إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، عدم تمديد قرار الإعفاء من العقوبات الأميركية بحق شركة النفط الأميركية «دلتا كريسنت إنرجي» التي تنشط في شمال شرق سورية، حيث تسيطر ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية – قسد» وتوجد قوات الاحتلال الأميركي، مبنيّ على أمل أن تتمكن أميركا من التفاوض مع روسيا على قناتين رئيستين لإدخال المساعدات إلى البلاد مقابل الانسحاب من حقول النفط، وفي إعراب الخبر فان لذلك منعكسات كبيرة ومهمة على الداخل السوري، فعودة النفط السوري إلى الحكومة الشرعية وما سيتبعه من انفراجات على المستوى الشعبي والاقتصادي، إنما يشكل مسماراً في نعش ما يسمى «قانون قيصر»، ومؤشراً على تراجع الإدارة الأميركية وبشكل سري من خلف الكواليس عن سياسة الضغط تجاه سورية، والابتعاد خطوة أو ربما أكثر عن ميليشيات «قسد» التي لم تر فيها يوماً إلا أداة ووسيلة لوجودها في سورية، وربما إشارة حسن نية للجانب الروسي عن فتح صفحة جديدة يؤسس لتفاصيلها لاحقاً خلال لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنظيره الأميركي جو بايدن في السادس عشر من الشهر الجاري في جنيف كما هو معلن حتى الساعة.
في الشهد الثاني الذي يؤكد تغيرات كبيرة في سورية ما بعد الانتخابات الرئاسية من خلال عودة إعلام دول اليونان وصربيا والمجر إلى الرفرفة في سماء دمشق مجدداً، جنباً إلى جنب مع علم الاتحاد الأوروبي في مفارقة لا تخلو من الغرابة، في ظل تمديد الاتحاد الأوروبي عقوباته على الشعب السوري ولعام قادم، إضافة إلى الحراك الدبلوماسي الخليجي وإذ تسمع خطوات ذاك الحراك تقترب من أسوار دمشق، ليؤكد كل ذلك أن الانتخابات الرئاسية، وقول الشعب السوري كلمته الفصل في خياراته، أثبتت أن تلك الانتخابات كانت بمنزلة معركة في الحرب التي تخوضها سورية منذ عشر سنوات، وهي مقياس الانتصار والهزيمة عند البعض، كما اعتبرها نائب وزير الخارجية والمغتربين بشار الجعفري في أحد لقاءاته التلفزيونية.
لقد عمدت الولايات المتحدة الأميركية إلى التدخل في شؤون سورية عبر وكلاء وأدوات، واستخدمتهم مطية لاحتلال مناطق في سورية، الأمر الذي جعلها بعيدة كل البعد عن خوض معارك مباشرة في مواجهة الجيش العربي السوري، أو الحلفاء، وسعت إلى ترجمة «إنجازاتها» التكتيكية إلى «انتصار» استراتيجي أو ناجز، إلا أن صمود الشعب السوري، وانتصارات الجيش العربي السوري، حرمها من تحويل الانتصار المرحلي التكتيكي إلى انتصار نهائي استراتيجي، وربما استفادت إدارة بايدن ولو بشكل بسيط من دروس التاريخ، وها هي تحاول تصحيح أخطاء سالفتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، من خلال عودتها إلى الاتفاق النووي مع إيران، والتغيير في بعض من سياستها في سورية، دون أن تتخلى عن جميع أوراقها في المنطقة، حفاظاً على مصلحة ربيبها الكيان الصهيوني.
من المؤكد أن أيام سورية ما بعد الانتخابات الرئاسية، وكما تشي الأحداث، هي أيام جني الثمار، ثمار صبر وصمود عشر سنوات، وما ظنه أعداء سورية أن ما مر عليها هي سنوات عشر عجاف، لم تكن إلا سنوات زراعة، وعام 2021 هو عام الحصاد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن