من دفتر الوطن

مثل حظِّ الأنثيين!

| فراس عزيز ديب

«الفساد لدينا أصبح ثقافة»، عبارةٌ قد يطرَب لها كل من لا يرى في الأداء الحكومي إلا التقاعسَ عن أداء الواجبات فيبرئ المواطن من تهمة كهذه، وفي الوقت ذاته يطرب لها من يقاتِلون لتبرئةِ الحكومة من كل الأخطاءِ والعثرات ليصبح المواطن شريكاً، وبمعنى آخر:
يختصر كلا الطرفين العبارةَ بعلاقةِ المواطن مع الإدارات الرسمية، لكن في الحقيقة يبدو لهذهِ العبارة بُعد اجتماعي يتمثل بفسادِ علاقاتنا الاجتماعية والعائلية لا يقل خطورة عن أي فسادٍ آخر.
مطلعَ هذا العام كتبت هنا زاوية بعنوان «مساكنة» سَخِرتُ عبرها من أولئك الذين يروجون لهذا المصطلح في مجتمعاتنا كمقدمة للعلاقة بين العاشقِ ومعشوقته، وقلت وقتها إن المرأة في مجتمعاتنا يسلبونها حتى حقها «الشرعي» في الميراث فكيف ستؤمنون حقوقها من تبعات «المساكنة»؟
بعدها تلقيت العديد من الرسائل تحت «الهواء الفيسبوكي» تحدثت فيها الأخَوات والصديقات عن هذهِ النقطة، أي نقطةَ الميراث، يتراءى إلى ناظريك وكأنكَ أمام دورةَ فسادٍ عائلية متكاملة لا علاقةَ بها لمسؤول ولا حتى كاتب تقارير، المعنيون بها فقط هم «رجال حارة الضبع».
في مجتمعاتنا تكثر الحالات التي يقوم فيها الأب بتوزيع ممتلكاتهِ على أبنائهِ الذكور ضارباً عُرضَ الحائط بما حدده الشرع من حصة للإناث، دورة الفساد تبدأ من هنا عندما يتجاهِل الأشقاء حصة أَخَوَاتهم، هنا يبدو الموقف المنطقي والعقلاني للمرأة بأن تبتلع الحادثة لأنها في النهاية لا تريد الدخول في متاهات عائلية، وعلى مبدأ «من لا يطول الحصرم يقول عنه حامض» تبدأ الأنثى بإشاعة فرضية أنها لا تريد شيئاً من ميراث أهلها.
هو هروبٌ من الواقِع لا أكثر، لكن دورة الفساد العائلي لا تتوقف وقد تنتهي بمذبحةٍ عائلية إن فكَّرَ زوج الأنثى ذاتها أن يسامح أشقاءهِ مثلاً بـ«طاسة رعبة نحاسية» من مقتنيات المرحومة والدته، هنا تتحول هذه الأنثى إلى شخصٍ حريصٍ على كل ما يمت لميراثِ أبنائها من عائلةِ زوجها، فجأة تغيب عنها روح المسامحة التي تجعلها في موضعٍ ما تحتوي مطالبَ والدها عندما «تقسو» عليه السنون بعدَ أن تركهُ أبناؤه وحصلوا على ما يريدون، ليتحول زوجها بنظرها إلى «مهبولٍ» يسعى أشقاؤه لسلبه ميراثه.
هنا تبدو عائلة كهذه قابلة للانفجار بأي لحظة فقط لأن هناكَ فساداً اجتماعياً وعائلياً نخرَ ثوابتها وأخلاقياتها، هنا يبدو واضحاً أن الهوة واسعة بين الحق الشرعي والحق المدني، هناك الكثير من الطرق التي يستطيع فيها البعض التحايل على الحقوق الشرعية، لكن الحال ليس كذلك عندما تكون حقوقاً مدنية، هنا لا يُظلم أحد ولا يُهضم حقه.
في الخلاصة: الفساد باتَ ثقافة، نعم وما قدمته هنا مثال بسيط وهناك مئات الأمثلة غيرها، لكن إياكم واستسهال عبارة كهذه لأنها في النهاية قد تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه على المستوى الاجتماعي، لنبدأ بالدائرة الضيقة ونحاصر فسادها عندها يصبح فساد الدوائر الأوسع تحصيلَ حاصلٍ، الفساد ثقافة نعم، لكنه لا يحتاج إلى رُقية شرعية ولا حتى إلى شرب الماء بـ«طاسة الرعبة» هو يحتاج فقط لقوانين تحاكي العصر!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن