ثقافة وفن

ماذا ينتظرنا؟

| إسماعيل مروة

في كل فاصلة من فواصل الحياة والأمة، وتكاد هذه الفواصل تتكرر وتعاد كل عقد من الزمن، يهب الناس منفعلين بالحب والحمية، يقدمون أرواحهم وأجسادهم، يغنون للوطن أغنيات لم يسبق أن غنوها، تمتزج بالدم حيناً، وبالنار حيناً، يعود فارسها بعد معركة ضروس أحياناً، وفي الأغلب لا يعود، إذ ينزرع في أرض المعركة، ونغني له، ونعتز بشهادته واستبساله! نرسم له صورة ولوحة لم يكن يتخيلها في حياته، ولم نكن قادرين على تخيل قدرتنا على رسمها.. إن الاندفاع لدى البسطاء من الناس المؤمنين بقضاياهم أكبر من أن يقدر أحد على تخمينه، وحين تنقشع الغمامة، وينزاح الغبار يكتشف من تبقى من الناس البسطاء أن ما كان لم يكن سوى مسرحية أو صفقة، أو في أحسن الأحوال كان أمراً اتفق عليه الأقوياء قبل أن يحدث، فحددوا بدايته وحددوا نهايته، وحددوا أهدافهم وغايتهم، وسيطروا على الأهداف المبتغاة..! يستنفر الناس، يوقظون الموتى من المبدعين، يأخذون أشعارهم وأغانيهم وشعاراتهم لمرحلة مهمة وحاسمة! وحين تنتهي الزوبعة يعود الأموات إلى رقدتهم وسكينتهم، والذين بقوا يعودون إلى مرحلة ما بعد الموت بكل ما فيها من ألم، فلا العمر يكفي للبكاء على الراحلين، ولا الزهور تكفي لصنع أكاليل توضع على قبورهم، ويكتشف الباقون أن الغار لم يعد ينبت في أرضنا، وأكاليل الغار لم تعد تعجب الناظرين!
تنتهي اللعبة، ويعود من تبقى إلى جني ما كان من أمر الصفقة، فلا القدس قدس، ولا غزة غزة، ولا اللدّ هو اللدّ! تسكن الحياة كأنها لم تكن من قبل، ويتم العمل على تضميد الجراح، وبما أننا أمة معطاءة ومتسامحة وكريمة، فقد نقوم بتضميد جروح الخصوم والأعداء، وعلى نفقتنا، ونهب لموتاهم ما عجزنا عن جمعه من ورد وغار وأشياء أخرى كثيرة، تشبه الغار حيناً، وتشبه الماء حيناً، وتشبه السلام في كثير من الأحيان، ويسأل السائلون لأيام: ما الذي حصل؟ لماذا حصل؟ من أدار اللعبة؟ يغضب من يغضب، يشتم من يشتم، يكفر من يكفر، فقد اكتشف الجميع أن البسطاء هم الوقود، وهنا لا أستثني من تحملهم المسؤولية من أبناء جلدتنا، فهم كذلك وقود من نوع آخر، ولوقت محدد، وبآلية قد تختلف، وقد تكون أكثر وضاعة ومهانة!!
والغريب المؤلم أن الأمر يتكرر، وأن البسطاء أنفسهم فيمن بقي منهم ومن سلالتهم يصبحون وقود الجولة الجديدة، ولم أسمع يوماً من يقف ليسأل عن المصير والمآل، وعن الغاية والوسيلة! وحين تنتهي الجولة نعود سيرتنا الأولى، وكأننا بلا ذاكرة، قريبة أو بعيدة! وكأننا لا نتعلم من تجاربنا صغيرة أم مريرة! ندفع ضريبة انجرارنا وراء الجهل ولا نتعلم! ندفع أثماناً لتيارات فكرية عقيدية أو وضعية، ونكتشف أن المصالح هي التي كانت تحكمها، ومع ذلك نتمسك بها، ونعدّ ما حدث من قبيل الخطأ، إن اجتهد فأخطأ فله أجر، وإن أصاب فله أجران، هذا ممكن في الاجتهاد الأول، أما أن تبقى القاعدة سارية المفعول بعد التجربة الألف! فهذا أمر يعني أننا غير قابلين للتعلم، وفي أحسن الأحوال يعني أننا مصلحيون نرى أنه إن لم ننجح هذه المرة في تحقيق المصالح، فقد نحققها في المرة القادمة! وننسى أننا جزء لا متناه في الصغر من وطن، إن كان سليماً معافى كنا، وإن لم يكن، فلن تجدي كل إجراءات السلامة والمنفعة الفردية.
الخلاص الفردي يتحقق عندما يكون المجموع بخير، فماذا ينتظرنا؟ يكفي أن نعدّ الاعتداءات، ووقعات غزة والقدس لتكون الجولة نهائية لا تخضع لمساومات فردية مهما كان نوعها، ومهما كانت النتائج، فإنها ستكون وطناً جديداً وإنساناً جديراً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن