شؤون محلية

يذبحون يومياً بسيوف الغلاء والإيجارات وتجار الحرب ونفد صبرهم من الوعود والمماطلة والتسويف … مهجرو «التضامن» يطالبون بإعادتهم إلى منازلهم .. 80 بالمئة من المساكن صالحة للسكن بعد الترميم البسيط

| موفق محمد

يطالب مهجرو حي التضامن الدمشقي، محافظة دمشق والجهات المعنية الأخرى بتنفيذ قرار إعادتهم إلى منازلهم، بعد المماطلة المستمرة منذ نحو عام ونصف العام في تنفيذ القرار.
وتمكن الجيش العربي السوري في أيار 2018 من تحرير القسم الجنوبي من حي التضامن بعد أن اجتاحته مجموعات إرهابية أواخر 2012 واحتلته نحو ست سنوات وعاثت فيه نهباً وتخريباً وتدميراً.
وتصل مساحة القسم الجنوبي نحو 60 بالمئة من إجمالي مساحة الحي الذي بقي القسم الشمالي منه البالغة مساحته نحو 40 بالمئة من المساحة الكلية للحي.
وتبلغ نسبة المنازل الصالحة للسكن التي تحتاج إلى ترميمات بسيطة في القسم المحرر أكثر من 80 بالمئة من النسبة الكلية للمنازل.
وكانت أعداد سكان الحي قبل بداية الأحداث في البلاد منتصف آذار 2011 تقدر بـ200 ألف يشكلون نسيجاً اجتماعياً متنوعاً، فسكانه ينحدرون من أغلب محافظات البلاد، وأغلبيتهم منخرطون في مؤسسات الدولة وعلى كل المستويات، ومن ضمنهم نسبة عالية من الحاصلين على شهادات جامعية، وقد عاش الجميع في ظل تكافل اجتماعي ومحبة كبيرة لعقود من الزمن.
ومع سيطرة الإرهابيين على القسم الجنوبي من الحي نزحت الأغلبية العظمى من سكانه إلى الأحياء المجاورة الواقعة تحت سيطرة الدولة.
وفي الثالث من تشرين الأول 2019، أعلن محافظ دمشق، عادل العلبي، أن عملية عودة الأهالي إلى منازلهم في القسم المحرر من الحي ستبدأ اعتباراً من اليوم التالي تنفيذاً لتوجيهات الرئيس الأسد بإعادة المهجرين إلى منازلهم، لكن القرار حينها لم يتم البدء بتنفيذه.
وفي ظل ارتفاع أصوات المهجرين المطالبة بتنفيذ قرار إعادتهم، قام في التاسع من أيلول 2020، أمين فرع دمشق لحزب البعث العربي الاشتراكي رئيس اللجنة الأمنية في المحافظة محمد حسام السمان وعضو قيادة الفرع محافظ دمشق وعضو قيادة الفرع رئيس مكتب الشباب فادي صقر، بجولة في القسم المحرر من الحي شاركت فيها «الوطن»، أكد خلالها العلبي، أن عودة الأهالي ستكون إلى كل المناطق الصالحة للسكن وستبدأ اعتباراً من بداية الأسبوع المقبل.
ومنذ ذلك الحين، ووفق توثيق «الوطن»، اقتصرت إجراءات محافظة دمشق لتهيئة الوضع لعودة الأهالي من إزالة الأنقاض وفتح الطرقات الرئيسية والفرعية والجادات وإصلاح شبكة المياه، على الجزء الجنوبي من المنطقة الغربية من القسم المحرر، حتى إن عملية فتح الطرقات تمت بشكل جزئي وليس كلياً، على حين لا تزال كامل المنطقتين الوسطى والشمالية «منسيتين» ونادراً ما تحظيان بجولات المسؤولين والجهات المعنية وورشات الخدمات!.
وبحسب مشاهدات «الوطن» يوم الجمعة الماضي، فإن كلتا المنطقتين الوسطى والشمالية، ذواتا المساحة الأكبر في القسم المحرر، لم يتم فتح سوى بعض الطرقات الرئيسية بشكل جزئي، في حين الأغلبية العظمى من الطرق الفرعية والجادات غارقة بالردم وأغلقت مداخل الأخيرة بسواتر ترابية عالية! يصعب على الأهالي تجاوزها لتفقد منازلهم.
وتحدث مواطنون لـ«الوطن»، عن تنظيف المحافظة لـ11 جادة في المنطقة الشرقية في القسم المحرر على حين باقي المنطقة تم فقط فتح بعض الطرق الرئيسية بشكل جزئي، من دون أن تقوم ورشات الخدمات بإصلاح شبكة المياه.
وتحدثت مصادر أهلية كانت تتفقد منازلها وأخرى كانت تقوم ببعض عمليات الترميم لـ«الوطن» عن معاناة كبيرة للوصول منازلها في المنطقتين الوسطى والشمالية بسبب إغلاق الجادات بسواتر ترابية عالية، ويقول أحدهم «بشق النفس وصلت إلى المنزل بسبب السواتر والردم».
ومع وجود عدد من الأهالي في المنطقة الغربية يقومون بترميم منازلهم، قال مواطن في رده على سؤال لـ«الوطن» وهو يتفقد منزله في المنطقة الوسطى إن كان سيبدأ بترميم منزله: «بالزور أنا فتت، فكيف أدخل مواد الترميم بالطيارة؟!».
وقام محافظ دمشق ومسؤول ملف حي التضامن في المحافظة سمير جزائرلي مع عدد من رؤساء ورشات الخدمات يوم الجمعة الماضي بزيارة للحي اقتصرت على المنطقة الغربية من القسم المحرر فقط من دون أن تشمل الجولة المناطق الشمالية والوسطى والشرقية.
وذكر العلبي خلال الزيارة في فيديو نشر في موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، أن الزيارة تأتي في إطار يوم عمل تطوعي تقوم به المحافظة ترجمة لشعار سيد الوطن «الأمل بالعمل»، أنه تم فتح الطرقات الرئيسية والفرعية لكي يتمكن المواطن من الوصول إلى بيته، مشيراً إلى أنه تم العمل على موضوع إعادة المياه والكهرباء.
وأشار العلبي إلى أن بعض الأماكن وصلتها الكهرباء على حين بعض الأماكن تحتاج إلى تمديدات كهربائية ومحولات. وذكر أن نحو ألف أسرة عادت إلى حي التضامن، وهناك من يقوم بترميم منزله «ومن يرمم فقد عاد» والمياه موجودة، على حين اشتكى مواطن خلال حديث المحافظ من عدم إزالة بعض الأنقاض.
وتحدثت مصادر أهلية لـ«الوطن» عن وجود آليتين لتنظيف الشوارع أثناء زيارة المحافظ، واختفت بعد انتهائها، على حين لم تشاهد آليات في اليوم التالي.
وبينما جرى إصلاح شبكة المياه في المنطقة الغربية الجنوبية فقط، يقوم عدد من الأهالي ممن عادوا إلى منازلهم بتوصيل خط كهربائي غير نظامي إلى منازلهم من بعض «النقاط» الموجودة بالمنطقة وذلك في ظل عدم وجود محولات كهربائية في كل القسم المحرر ولا شبكة كهربائية نظامية.
وبينما أصدرت الجهات المختصة نحو 2500 موافقة لأسر تقدمت بطلبات للعودة، لاحظت «الوطن» أن عدد الأسر التي عادت يقتصر على العشرات ومنازلها تقع على خط التماس في الجزء الذي كان تحت سيطرة الدولة من المنطقة الغربية، على حين لم يعد أحد للاستقرار في منزله في المناطق الشمالية والوسطى والشرقية، ويقتصر الأمر على تفقد الأهالي لمنازلها بين الحين والآخر على حين تقوم قلة بعمليات ترميم رغم صعوبة إدخال المواد، وذلك بسبب عدم فتح الطرقات الفرعية وتكدس الركام وإغلاق الجادات بسواتر ترابية.
ويتخوف بعض الأهالي في المنطقتين الشمالية والوسطى من إهمال الجهات الرسمية والمعنية لمناطقهم، ويتساءل أحدهم: «لماذا هذه الزيارة ومعظم زيارات المسؤولين تقتصر على المنطقة الغربية؟!، لماذا لا يدخلون ويشاهدون الوضع في الداخل؟!، أم يُراد لهذه الزيارات أن تتم على هذا الشكل فقط، على حين يوضح مواطن آخر أن مهجري حي التضامن يذبحون ألف مرة يومياً بسيوف الغلاء والإيجارات وتجار الحرب، وزاغت أبصارهم وبلغت قلوبهم الحناجر ونفد صبرهم من الوعود والمماطلة والتسويف، ويريدون من الجهات المسؤولة والمعنية «تطبيق فعلي وعلمي لتوجيهات الرئيس بشار الأسد بإعادتهم إلى منازلهم ولشعاره الأمل بالعمل»، ويضيف: «الناس ملت من الزيارات والتصريحات والوعود. تريد أن تعود إلى بيوتها وتستقر والعودة تخفف عنها شيئاً من صعوبة الحياة المعيشية».
ووسط هذه الحال، تتحدث مصادر أهلية لـ«الوطن» عن عروض يتلقاها أهال لبيع منازلهم في المنطقة المحررة بأسعار لا تأتي نقطة في بحر الأسعار الرائجة اليوم، وعن قيام البعض بعرض منازله للبيع.
وذكرت المصادر أن واقعة بيع حصلت لشقة تبلغ مساحتها 90 م بـ17 مليون ليرة، لأن صاحبتها «لا تمتلك تكاليف ترميهما وما في مين يساعدها، إضافة إلى أن الركام يغلق طريق البناية وإذا أرادت الدخول أو الخروج تجبر على ذلك من خلال البيوت المجاورة»، علماً أن سعر شقة بالمساحة ذاتها في جنوب الحي الذي بقي تحت سيطرة الدولة يصل سعرها اليوم ما بين 75 إلى 100 مليون ليرة.
ويرجح متابعون للوضع في المنطقة، أن من يقدمون العروض هم من «تجار الحرب» ويستغلون وطأة الحياة المعيشية الصعبة، على حين البعض ممن يعرضون بيوتهم للبيع يقوم بذلك ربما بسبب الفقر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن