قضايا وآراء

معضلة الحروب الإسرائيلية ودوامة العجز

| تحسين الحلبي

يعد الكيان الإسرائيلي منذ الإعلان عنه عام 1948 قاعدة معادية لجميع شعوب المنطقة وللشعب الفلسطيني خاصة الذي اغتصبت له الحركة الصهيونية وطنه، وأبعدت فيه معظم شعبه إلى خارج الوطن، واحتلت بعد عام 1967 الجولان العربي السوري ولا تزال قواتها فيه.
ولذلك كان من الطبيعي أن تشهد المنطقة كلها عدداً من الحروب التي شنتها قوات الاحتلال بعد نكبة حرب عام 1948 على الدول العربية المجاورة لتحقيق أهدافها التوسعية ولفرض التسليم بوجود هذا الكيان وسياساته ضد الجميع.
لكن هذا الكيان واجه معضلة لم يتمكن البتة من حلها ضد كل دول وشعوب المنطقة وهي عجزه عن حسم حروبه بما يسمى «انتصاراً حاسماً ونهائياً» على هذه الدولة أو تلك ولا على هذه المنظمة المسلحة أو تلك.
ولذلك كان آخر من أراد طرح هذه المعضلة الدائمة في تاريخ هذا الكيان وحروبه للمناقشة هو رئيس الأركان الحالي الجنرال أفيف كوخافي حين طلب قبل سنة من عدد من المفكرين في جيشه وفي مؤسسات الدراسات والجامعات تحليل هذه المعضلة وإيجاد الحلول المقترحة لها، وحدد كوخافي تعريفه للانتصار الحاسم والنهائي بأنه: «الوضع الذي يفقد فيه الطرف العربي القدرة أو الإرادة على الاستمرار بالقتال ويقبل بفرض إرادتك عليه». ويعترف الجنرال المتقاعد هيرتسيل شابير قائد قسم القوى البشرية في الجيش الإسرائيلي أثناء حرب تشرين 1973 في تحليل في مجلة الأبحاث «إنتاج المعرفة» الصادرة بالعبرية قبل يومين بأنه «من المنظور التاريخي لم تنجح إسرائيل منذ تأسيسها وحروبها حتى الآن في تحقيق هذا «الانتصار الحاسم التام» على الأطراف المعادية، ويضيف: «لا بد من الافتراض بأنها حتى في المستقبل لن يكون بمقدورها تحقيق هذا الحسم بموجب المعطيات الإسرائيلية».
وهو يدرك من دون شك أن كل حرب شنها جيشه بعد حرب تشرين 1973 وخروج مصر من المشاركة في الصراع العربي الصهيوني عام 1979 سرعان ما تحولت إلى حرب طويلة، فحين شنها عام 1982 على الأراضي اللبنانية عجز في النهاية عن تحقيق أهدافه منها بل أجبرته أطراف المقاومة الفلسطينية واللبنانية بمشاركة الجيش السوري على التسليم بهزيمته. فهو لم يعجز عن تحقيق «انتصار حاسم» فقط بل سلّم بهزيمته وسحب قواته من دون قيد أو شرط عام 2000 وهذا هو المشهد نفسه الذي تكرر بعد هزيمته عام 2006 على يد المقاومة اللبنانية وحلفائها.
في فلسطين المحتلة، لم يتمكن جيش الاحتلال، رغم ما تحقق له بعد أوسلو عام 1993 من اتفاقات زادت من قدرته واتساع تحركه العسكري والاستيطاني داخل الأراضي المحتلة، لم يتمكن من فرض «انتصار حاسم» على الشعب الفلسطيني ومقاومته، بل أجبر لأول مرة في تاريخ وجوده في فلسطين على سحب قواته من قطاع غزة ونزع مستوطناته منها من دون قيد أو شرط عام 2005 فأصبح القطاع أول أرض فلسطينية يتم تحريرها بالمقاومة منذ عام 1948، وشكلت له سابقة ما زال عاجزاً تجاهها عن إعادة احتلالها أو التخلص من بنيتها العسكرية وصمود شعبها برغم كل أشكال الحصار بعد سبع حروب متنوعة شنها على القطاع بقواته الحربية من طائرات ودبابات وصواريخ منذ عام 2007.
في نهاية تحليله يختتم الجنرال شابير قائلاً: «إذا عدنا لموضوع الحسم ومفهومه في عقيدة الأمن، فنرى أن الافتراض بعجز إسرائيل عن حسم أي حرب ضد أعدائها ما زال قائماً من دون حل».
ولذلك يصبح كل انتصار نسبي تحققه المقاومة سواء بفصائلها أم بدولها الإقليمية مثل سورية وإيران، دليلاً راسخاً على عجز قوات الاحتلال عن تحقيق أهدافها حتى لو فرضت تسوية على طرف عربي وجمدت فيها دور قدراته العسكرية في أي حرب مقبلة ضدها مثلما حصل عام 1979 مع مصر، وها هو الكيان الإسرائيلي برغم تلك التسويات يجد نفسه الآن تماماً وقد أحاطت به جبهات متعددة من الشمال والجنوب والوسط بعضها جبهة شعب يزيد عدد الموجودين منه في كل الأراضي المحتلة عن مجموع المستوطنين في كل الكيان، وأخرى جبهة جزء من هذا الشعب في جنوب فلسطين على حدود قطاع غزة تضاف إليهما جبهة الشمال من سورية وجنوب لبنان، ولا شك بأن جبهات المقاومة هذه قادرة على الاحتفاظ بقدراتها مثلما هي قادرة على زيادتها في زمن لم يعد يعمل لمصلحة كيان الاحتلال وجيشه والمستوطنين فيه. ولذلك تماماً لا بد لكل من «استراحة للمحاربين» مهما كان شكلها، تهدئة أو إيقافاً للنار، أن تتحول إلى قوة ردع بيد أصحاب الحقوق وليس قوة ردع بيد قوات الاحتلال.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن