كل شيء عن موسم القمح … اقتراح برفع إسعافي للسعر من 900 ليرة إلى 1400 للكيلو غرام .. أرقام متدنية لتوقعات التسويق «للسورية للحبوب»
| هني الحمدان
هكذا كان.. ولكن هل سيبقى..؟! فالقطاع الزراعي هو الملاذ الآمن لتأمين الغذاء الكافي للمواطنين، ليست الأسر الفقيرة وعائلات الأرياف هي المستفيدة والمشغلة ذاتها بمورد مهم يؤدي العمل فيه إلى توفير لقمة العيش والدخل لو كان بسيطاً، بل انعكاس الإنتاجية زمن البحبوحة على الأمن الغذائي برمته للشعوب هو الهدف الكبير.. فالأمن الغذائي مرهون بتطور واستمرارية القطاع الزراعي بألقه الإنتاجي، وليس سد النواقص والاستغناء عن بعض السلع، أو عبر إيجاد البدائل بحل يفضي إلى الأمن الغذائي، ما هي إلا ترقيعات وقتية، سيأتي وقت يصعب حتى تنفيذها، بمعنى القدرة على شراء ما ينقص من مواد وسلع غذائية لتأمين احتياجات البشر المتنامية، فالأمن هو الاكتفاء الكامل من إنتاج زراعي مستمر، وصولاً فيما بعد إلى حالة من تصدير الفوائض للاستفادة من العوائد في إجراء تطويرات على ديمومة القطاع الزراعي.
واليوم في ظل تنامي الأحاديث الرسمية وصرخات الاستغاثة بأن المنطقة العربية ومنها سورية ضربتها حالة المتغيرات المناخية، أي أن التصحر سيدوم لسنوات قادمة، وهذا إلى ماذا سيؤدي، وماذا سيكون حال الإنتاج الزراعي، وهل ستفلح الخطط وواضعوها من الوصول إلى الأرقام الموضوعة..؟ أم إن هناك أساليب وطرائق جديدة سيتم العمل بمقتضاها من أجل إيجاد بدائل لكيلا يتدهور الأمن الغذائي ويتراجع إلى مستويات أكثر خطورة.. وزارتا الزراعة والموارد المائية، ومعهما المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة وباحثون ومختصون علا صوتهم كثيراً، حول الشبح الصحراوي القادم، وماذا سيترك من آثار كارثية على مستوى إنتاجية الغذاء وتحقيق الأمن الغذائي.
فالموسم الزراعي لهذا العام ليس بأحسن حال، فخيبت التوقعات كل الجهات ومخططيها، فالجفاف حسب زعمهم أتى على مساحات واسعة وأخرجت المساحات المزروعة بالقمح البعل وكذلك الشعير من المعادلة كلياً، وتحولت تلك المساحات إلى حقول للرعي، أي خسارة كم مليون طن من القمح والشعير، ومع الاستنفار الحكومي الكبير لاستلام كل حبة قمح ممكنة، إلا أن الأرقام مخجلة فعلاً، لدرجة أن مدير عام فضل عدم التكلم حيال محصول قمح لم يبق منه سوى اسمه، فالكميات قد لا تتجاوز نصف مليون طن قمح، وربما أقل من ذلك بكثير، وعزا السبب وراء ذلك إلى جملة من الأسباب أتى في مقدمتها حسب كلامه:
قلة الهطلات المطرية والتغير المناخي، وعدم تمكن الجهات المسؤولة من سقاية المساحات الممكن ريها.
محصول لم تقدم له ولا للفلاحين أي كميات من السماد الضروري لإكمال حالة النبات ومن ثم الإثمار.
محصول وفلاحون أرهقتهم الأعباء المادية مثل شراء المحروقات وباقي تكاليف المستلزمات الزراعية.
فما نتج بهكذا ظروف.. خروج القمح والشعير تماماً، وتالياً فقدان كميات كبيرة، ولقلة الأسمدة الموزعة وارتفاع أسعارها، كان هناك انخفاض في إنتاجية وحدة المساحة، وهذا مرده إلى قلة توافر مقومات إنتاج كاملة.
اليوم ومع صعوبة تأمين لقمة العيش، وفي ظل البطالة والأزمة الاقتصادية التي زادت حدتها جائحة كورونا، وارتفاع أسعار الأسمدة وبعض المستلزمات، هل فرقنا بين المنتجين والزراعة.. إذ بدأ الفلاح يرى في الزراعة والاستمرار فيها ضرباً من الجنون… وبدلاً من تشجيع المزارعين ودعم القطاع الزراعي هناك نية لرفع الدعم عن بعض المواد لتكتمل الصورة بقتامتها. فماذا لو رُفع الدعم كلياً عن هذا القطاع؟!
والسؤال: كيف سيكون الحال مع مواسم زراعية قادمة..؟ إذا استمر الجفاف مسيطراً، وعدم تهيئة البيئة الزراعية المناسبة من تأمين المستلزمات للزراعة..؟
في اتصال مع مدير عام مؤسسة الحبوب يوسف قاسم قال: نعمل كل ما في وسعنا لاستلام كل حبة من القمح للموسم الحالي، وأي شكوى تعالج بوقتها، ولم ترد أي شكاوى فالأمور سائرة بالإيجاب، وحول التوقعات عن الكميات المستلمة قال ليست بمستوى الطموح والرضا، فالتغيرات المناخية وقلة الهطل وقلة السماد أثرت بشكل كبير في حصول تراجعات في الكميات المتوقعة، وأضاف: مراكزنا بحالة استنفار لاستقبال كل ما يردها من أقماح.
وحول العقود لاستيراد الأقماح من الخارج بين أنه مع نهاية الشهر الحالي سيتم الانتهاء من شحن باقي الكميات وخلال الشهر السابع ستصل تلك الأقماح وهي بقية مليون طن من الدقيق المورد من روسيا، والوضع مطمئن وهذه الكميات تكفي لفترة طويلة.
من جانب آخر طالب الخبير التنموي أكرم عفيف ومستشار في اتحاد غرف الزراعة برفع أسعار القمح بشكل فوري وإسعافي من 900 ليرة إلى 1400 ليرة، ومن يعارض ذلك يتحمل مسؤولية الأضرار الناتجة عن هذه التسعيرة.
وبيّن عفيف أن تسعيرة كيلو الشعير أعلى من تسعيرة القمح حيث وصلت التسعيرة إلى 1100 ليرة سورية.
وبيّن أن تكاليف الإنتاج للمروي كانت أعلى من التسعيرة الحالية، لأن الفلاحين اشتروا لتر المازوت بسعر يتراوح بين 2000-2500 ليرة.
وأضاف عفيف إنه في مرحلة الثمانينيات أكلت الناس الخبز الأسود لعدم توافر القمح، ومع خطة تحسين زراعته في تلك الفترة تم تسعير القمح بمبلغ 11 ليرة على حين كان سعره العالمي 5 ليرات. وعندها امتلأت الصوامع والأنفاق.
الزراعة كما قلنا تحسست واقع الجفاف وانعكاسه على الزراعة بشكل عام وفي هذا الإطار قال وزير الزراعة محمد حسان قطنا: كلنا نعرف أين موقعنا في العالم، نحن دول تعاني من شح الموارد الأرضية والمائية بالنسبة إلى عدد السكان، ونحن دول سعينا نحو تحقيق الأمن الغذائي والأمن المائي، وأدركت معظم الدول ذلك، وعملت كل دولة على تحقيقه باتباع سياسات زراعية مستقلة، ولكن تكون نتائجها أفضل عندما تتحد الجهود، ويتم اعتماد سياسات زراعية عربية متكاملة.
وأضاف: لدينا مراكز بحثية ومنظمات محلية وعربية ودولية نفذت الكثير من البحوث العلمية والتطبيقية والدراسات للوصول إلى تعميم نتائج عملها لخدمة القطاع الزراعي، ومع ذلك مازلنا نواجه صعوبات كبيرة في الوصول إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة، منذ التسعينيات من القرن الماضي ونحن نتعرض للجفاف والتغيرات المناخية وكان لهما أثر سلبي كبير على التنمية الاقتصادية والاجتماعية وعلى البيئة.
وقال الوزير: كلنا شركاء في اتفاق باريس للمناخ وجميع المعاهدات والاتفاقيات الخاصة بها، وهناك سياسات وبرامج ومشاريع انبثقت عنها، والتزامات، ولكن هل أعطي هذا الأمر الاهتمام الكافي والتمويل اللازم لتحقيق البرامج المقررة إن وضعت، مضيفاً: الخطر ليس داخلياً، بل دولي؛ لأن هناك دول عظمى وقعت كما وقعنا على اتفاق باريس وما قبله من اتفاقيات، ولكن الانبعاثات الغازية وغيرها هي أضعاف مضاعفة من الدول العظمى، ومنطقتنا العربية هي التي تتأثر، ولمواجهة الأثر وتكامل الجهود، والاستفادة من الجهود المبذولة من مراكز البحوث السورية والعربية ومن المنظمات العربية والدولية ولاسيما المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة، والمنظمة العربية للتنمية الزراعية، ومن الأبحاث المقدمة إلى اتحاد المهندسين الزراعيين العرب ومن المنظمات كالفاو وإيكاردا وبرنامج الغذاء العالمي وغيرها من المنظمات.
وتحدث الوزير عن الواقع الراهن والمعدلات المطرية وتغيراتها، ولفت إلى أن الجفاف والتغيرات المناخية في سورية ليست حديثة العهد، مستعرضاً ميزان استعمال الأراضي في سورية في 2020، والمساحات المستثمرة والمزروعة فعلاً، والإنتاج الزراعي النباتي والحيواني، ومقارنة متوسط هطول الأمطار 2020-2021، ومقارنة متوسط درجات الحرارة لموسم 2020-2021 مع الفترة نفسها من الموسم 2019 – 2020 على مستوى المحافظات.
وبيّن أن 70 بالمئة من الأراضي الزراعية تتم زراعتها بعلاً، و90 بالمئة من الأراضي المزروعة بعلاً معدل أمطارها أقل من 300 ملم وهو الحد الأدنى للحصول على إنتاج جيد من الزراعات الشتوية البعل، ومن الأهمية أيضاً تدهور موارد أرضية ومائية وانخفاض إنتاج زراعي وتدهور مراع وغابات، تراجع الإنتاج الزراعي النباتي والحيواني، وتراجع الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الإستراتيجية وتراجع مؤشرات الأمن الغذائي الوطني والأسري..
وحول الإجراءات التي اتخذتها سورية لمواجهة الجفاف والتغيرات المناخية أكد الوزير أنه تم الاعتماد على البحوث العلمية الزراعية أساساً في التنمية الزراعية من حيث، اعتماد أصناف المحاصيل المتحملة للجفاف، والأصول والأصناف للأشجار المثمرة الملائمة للمناطق الزراعية، إدارة الموارد الأرضية، إدارة الموارد المائية، الاستفادة من الأصول الوراثية النباتية والحيوانية، خريطة استعمالات الأراضي، والتعاون مع المراكز البحثية ومراكز الدراسات المحلية والعربية والدولية لإجراء الدراسات والبحوث اللازمة لذلك، وتطوير السياسات الزراعية والإدارة المرنة للخطة الإنتاجية الزراعية وفق الموارد المتاحة للاستثمار، وتطبيق برامج التنمية المستدامة والزراعة الذكية مناخياً، واتفاق باريس وغيرها.
وأشار الوزير إلى أن الإستراتيجية الوطنية لإدارة الجفاف تضمنت تطوير وتحديث خدمات الأرصاد الجوية ونظام الإنذار المبكر، ومراقبة الجفاف على المستوى المحلي والإقليمي، والإبلاغ عن حالات الجفاف من خلال موقع حكومي، وإجراء تقييم للتأثر وتقييم المخاطر لتحديد المجتمعات والمناطق المعرضة للجفاف، وتخطيط وإنشاء إجراءات وإستراتيجيات الاستجابة المحلية والوطنية والإقليمية، وإعداد الإطار الفعال للتنسيق حول الجفاف والاتصال والتواصل بين أصحاب المصلحة، وتحديث التشريعات الخاصة بمشاركة المجتمع المحلي باتخاذ القرار، وتمكين وتشجيع المزارعين بشأن الممارسات الزراعية المناسبة في المناطق المعرضة للجفاف، وإجراء البحوث المستمرة وممارسة استخدام الأراضي السليمة والبنية التحتية المستدامة.
وحول الممارسات الزراعية الملائمة تحدث الوزير عن إعادة النظر بالدورات الزراعية السائدة في الزراعات المروية والبعل على مستوى مناطق الاستقرار الزراعي، وتطوير أنظمة الري الزراعي الحديث والمطور حسب أنواع المحاصيل المزروعة، وإعادة النظر بنسب التكثيف الزراعي، ووضع أساليب زراعية ملائمة للمحافظة على المساحات المزروعة من الأشجار المثمرة والحراجية والمراعي الطبيعية، ووضع برامج لإعادة تأهيل الأراضي المتدهورة، واعتماد الأساليب العلمية في زيادة خصوبة الترب الزراعية، وإعادة النظر بمناطق الاستقرار الزراعي، واعتماد أصناف زراعية جديدة ملائمة للظروف الجافة والتغيرات المناخية.
ولابد من معايير تحديد مشاريع التدخل من حيث مدى المساهمة في التنمية المستدامة، ومدى توفير الأمان المعيشي للمجتمعات الأهلية، والتخفيض من حدة الفقر وتحسين قدرات التكيف، والجدوى الاقتصادية من الاستثمار، ومدى تحقيق تكامل الإنتاج الزراعي، وحفظ استخدامات الموارد المائية وترشيدها واستخدام الري الحديث، وتطوير نظم الإنذار المبكر وتطبيقه، ومعلومات رصد الجفاف لتحسين الجاهزية لمواجهته، وتطوير الوعي المستدام حول التكيف مع التغيرات المناخية، وإنشاء قاعدة بيانات التغيرات المناخية وصيانتها، وتطوير البحوث الزراعية والمائية والإرشادية، وتطوير نظم نقل التقانة وبناء القدرات في مجالات كفاءة الطاقة والطاقات المتجددة، وتطوير نظم تكامل إدارة المعلومات والشبكات، وتطوير برنامج متكامل لتطوير قدرات المجتمع الأهلي في مجال إدارة الموارد الطبيعية.