قضايا وآراء

الآفاق السياسية والاقتصادية للاتفاق الصيني – الإيراني

| د. قحطان السيوفي

في 27 آذار 2021 وقّعت الصين وإيران اتفاقية للشراكة الإستراتيجية بين البلدين في طهران مدتها خمسة وعشرون عاماً، وتهدف إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية طويلة الأمد بين البلدين، فيما يتعلق بالطاقة والبنى التحتية والجوانب العسكرية والأمنية والاستثمارات، وإنشاء مناطق تجارة حرة في السواحل الإيرانية.
وتستمدّ الاتفاقية أهميتها من توقيتها ودوافعها ومداها وحجم الأموال التي تتطلبها، وتداعياتها المُحتمَلة إقليمياً ودولياً، وخاصَّةً مع رغبة الصين في توسيع وجودها في الشرق الأوسط، وإشراك إيران ضمن مشروعها الإستراتيجي «الحزام والطريق».
بالمقابل صُدمت الإدارة الأميركية لفشل سياسة التطويق والحصار الممارسة ضد إيران، وعملت على الانزياح إلى الشرق الأقصى عسكرياً للبدء بحصار الصين وتطويقها.
بدورها استغلت الصين انشغال أميركا بالحروب وركزت على الاقتصاد والإنتاج وتطويره في الداخل وإيجاد الأسواق والاستثمارات الصينية في الخارج.
تعود البدايات الأولى للاتفاق إلى كانون الثاني 2016، أثناء زيارة الرئيس الصيني تشي جين بينغ لإيران، وحضر وزير الخارجية الصيني إلى طهران 2021 لتوقيع الاتفاقية، ووصف وزير الخارجية الإيراني الصين بأنها «صديقةٌ للأوقات الصعبة». تنظُر الصين بحذر وترقُّب لسياسة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، التي تخطِّط لنقل قُدراتها إلى جنوب شرق آسيا، لتنفيذ سياسة «احتواء الصين»، وذلك حسب ما صرَّح به بايدن في 26 آذار 2021.
الصين دولة نووية عظمى، لها مقعد دائمٌ في مجلس الأمن الدولي، وتستطيع المشاركة بفاعلية في تحريك العالم، من خلال المصالح، الاتفاق سيعزز الحضور الصيني في مختلف القطاعات الإيرانية، وخاصة البنوك والاتصالات والموانئ، وإقامة منطقة تجارة حرة في بعبدان شمال غرب إيران، إضافة إلى ميناءين في بحر عمان ومضيق هرمز، حسب صحيفة نيويورك تايمز.
أمّا إيران، فعلى الرغم من الجدل الداخلي الذي ثار بشأن الاتفاقية، فإن قراراً من المرشد الأعلى علي خامنئي قد حسمَ الأمر بتوقيع الاتفاق.
إيران بحاجة إلى حليف قوى مثل الصين؛ لموازنة الضغوط الأميركية، وخاصة مع إعادة إحياء الاتفاق النووي.
يُعد هذا الاتفاق الأول من نوعه بين البلدين. ولم ينشر من الدولتين؛ لم تُعلن إيران عن تفاصيل الاتفاقية، ولم تقدِّم الحكومة الصينية التفاصيل، لكن مسوَّدةً عن البنود تسرَّبت إلى الصحافة الإيرانية والأميركية وأهم هذه البنود:
1- حصول الصين على إمدادات من النفط لمدَّة 25 عاماً بأسعار خاصَّة، مقابل استثمار 400 مليار دولار في إيران، تشمل البنية التحتية.
2- إمكانية بناء مستودعات نفط إيرانية على الأراضي الصينية للتخزين وحتّى إعادة التصدير.
3- إيجاد آلية خاصَّة للتبادُلات المصرفية المباشرة بين البلدين باليوان الصيني.
4- تطوير البنية التحتية للمعلومات، وبناء شبكات الجيل الخامس.
5- العمل على جعل إيران المحطَّة الأساسية لطريق الحرير التجاري في الشرق الأوسط.
6- التعاون مع روسيا لربط بحر عُمان والخليج العربي بشمال أوروبا، وساحل جنوب إيران ببحر البلطيق.
7- مدّ أنابيب غاز ونفط من جنوب إيران إلى البحر المتوسِّط عبر سورية والعراق ولبنان.
8- تطوير التعاون العسكري والدفاعي.
الاتفاق له انعكاسات جيوستراتيجية على المنطقة والعالم منها:
1- تأكيد إخفاق أميركا في خطط الحصار والعقوبات والحرب الاقتصادية على الصين وإيران.
2- دخول الصين بقوة وثبات إلى غربي آسيا، حيث مصادر الطاقة والبحار الخمسة.
3- تعزيز فرص إحياء طريق الحرير التي تربط الصين بأوروبا عبر آسيا، وتعزيز مشروع «الحزام والطريق» الصيني.
4- زعزعة موقع الدولار كعملة كونيّة وحيدة، والتحوّل إلى عملات أخرى محلية وإقليمية.
5- الحد من أثر العقوبات الأميركية على اقتصاد إيران والصين.
6- توسيع حضور الصين العسكري في المنطقة، والتأثير الصيني على الممرات المائية الدولية.
وتثير الاتفاقية قلق الولايات المتحدة وإسرائيل ودول خليجية. الاتفاق سيمكن الصين من لعب أدوارٍ سياسية أكبر في منطقة الشرق الأوسط، ومجابهة السياسات الأميركية. إيران ستحصل على حليفٍ مؤثِّر على الساحة الدولية، وأحد أطراف الاتفاق النووي، ما يسرع عملية المفاوضات الخاصَّة بالاتفاق النووي، وزيادة دور إيران في تجارة «الترانزيت» الاتفاق يمثِّل تحدِّياً لإدارة بايدن. وتعليقاً على الاتفاق، قال وزيرُ الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن الاتفاقية «أعظم اختبار جيوسياسي في العالم».
هناك عدَّة سيناريوهات مُحتمَلة لتنفيذ الاتفاق، أوَّلها: احتمال تفعيل الاتفاق، وثانيها: تجميد الاتفاق، وأخيراً: الإبقاء على مستوى التعاون الراهن، تراعي فيه الدولتان مكانتهُما وضغوط البيئتين الإقليمية والدولية، ويكتفى بتحقيقِ بعض الأهدافِ، أو تفعيلِ بعض جوانبها.
ستسهم اتفاقية الشراكة الاقتصادية في توسيع «مبادرة الحزام والطريق» لتشمل منطقة الخليج والعراق وسورية، وتحويل دمشق إلى مركز تجاري رئيسي، ضمن شراكة مستقبلية قد ترى الولايات المتحدة فيها تهديداً لمصالحها في المنطقة.
يمكن للاتفاقية أن تشكل محوراً «قوياً» يضم إيران والصين وروسيا وحتى سورية ما يعزز دور هذه الدول في المنطقة وفي السياق العام للعلاقات الثلاثية الوثيقة بين إيران والصين وروسيا. هناك احتمالات تغيرات واضحة في خريطة النفوذ في المنطقة العربية لمصلحة الدول الثلاث.
إيران أفشلت عبر محور المقاومة المشروع الواهم الذي اعتمده الحلف الأطلسي عام 2010 المتضمن أنه خلال عقد من الزمن سيصار لإسقاط سورية، وإيران وحزب اللـه ومحاصرة المقاومة الفلسطينية والتفرّغ للصين.
نقول إن إخفاق الحرب الكونية على سورية ومحور المقاومة وصمود هذا المحور غيّر العالم، وفشلت أميركا وحلفاؤها من تحقيق أهدافهم في الشرق الأوسط، واستطاعت الصين وروسيا ومعهما إيران تحدي الهيمنة الاستعماريّة وتهيئة الفرص لإقامة نظام عالميّ جديد متعدد الأقطاب يقوم على التوازن المبنيّ على الاستقلال واحترام سيادة الدول.
أخيراً الاتفاقية تُمثل نقلة اقتصادية نوعية بالنسبة للصين وإيران وستفتح آفاقاً جديدة أمامهما. بعض المحللين وصفوا الاتفاقية بأنها «قنبلة اقتصادية سياسية عسكرية لإستراتيجية كبرى» جعلت بايدن يُبدي بألم «قلقه العميق ومخاوفه الكبيرة» منها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن