قضايا وآراء

كلمة السر البريطانية في عرقلة الانتخابات النيابية العراقية

| أحمد ضيف الله

رغم الحديث، عن أنه لا تغيير في موعد إجراء الانتخابات النيابية العراقية في الـ10 من تشرين الأول 2021، إلا أن المشهد الانتخابي غير واضح حتى الآن، حيث بدأت جهات وقوى سياسية تتحدث عن ضرورة ضبط الوضع الأمني ومنع انتشار السلاح لتأمين أجواء مناسبة لإجراء الانتخابات، مطالبة بتأجيلها..
كلمة سر عرقلة إجراء الانتخابات في موعدها المحدد مرّرها السفير البريطاني في العراق ستيفن هيكي حين قال في تصريحات صحفية له في الـ10 من أيار الماضي: «إن البيئة الحالية غير مناسبة لإجراء الانتخابات»، مضيفاً في تغريدة له: «لم يؤدِّ الإفلات من العقاب على مقتل النشطاء منذ تشرين الأول 2019 إلا إلى المزيد من القتل. هناك حاجة ملحة لاتخاذ تدابير ملموسة لمحاسبة الجناة وحماية المواطنين العراقيين أثناء استعدادهم للانتخابات في تشرين الأول».
أغلب القوى السياسية (الشيعية) العراقية رفضت تصريحات السفير البريطاني، مشيرة إلى أن «على السفير البريطاني أن يعرف حدود عمله، ولن نسمح له بالتدخل في الشأن الداخلي»، كما أن مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، أكد للسفير البريطاني لدى استقباله، أن «تصريحاته الأخيرة أدت إلى امتعاض الشارع العراقي والكتل السياسية والحكومة العراقية»، معتبراً أنها «تصريحات غير مقبولة وتعدّ تدخلاً في الشأن الداخلي العراقي».
وكعادته، بعد أن يطلق سمومه وتحريضاته، أوضح السفير البريطاني أن «تصريحاته فُسّرت بشكل غير صحيح»!.
تصريحات السفير البريطاني التقطتها الأحزاب السياسية التي تشكّلت من رحم ساحات التظاهر التشرينية، لتعلن مقاطعتها للانتخابات، من بينها حزب البيت الوطني، «نازل آخذ حقي»، الوعد العراقي، الاتحاد العراقي للعمل والحقوق.. كذلك طالب رئيس ائتلاف الوطنية إياد علاوي، «بتأجيل الانتخابات حتى تهيئة الأجواء المناسبة وسنّ التشريعات الكفيلة بسلامة العملية الانتخابية وتحفيز المشاركة الواسعة»، كما علّق الحزب الشيوعي العراقي مشاركته بالانتخابات!.
ومما يثير الاستغراب أن الدعوة لإجراء الانتخابات المبكرة، وتغيير القانون الانتخابي السائد، جاء أساساً من قبل تلك القوى التي نجحت بعد موجة من الاحتجاجات الشعبية الكبيرة في بغداد ومناطق العراق الجنوبية والوسطى في تشرين الأول 2019، في إجبار رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي على تقديم استقالته، وتشكيل حكومة جديدة برئاسة مصطفى الكاظمي في الـ7 من أيار 2020، مهمتها الأساسية الإعداد لانتخابات نيابية مبكرة، كما نجحت في الوقت ذاته بالضغط على المجلس النيابي الذي أقر قانوناً انتخابياً جديداً.
كل الانتخابات النيابية السابقة، كانت تجري وفق قانون (سانت ليغو) المعدّل، على أساس الدائرة الواحدة والقوائم الفائزة، عبر 18 دائرة انتخابية في عموم العراق، وهو قانون يسمح بتجميع أصوات المرشحين في الدائرة الواحدة لصالح قائمته، ما يؤمن لمرشحي القائمة الحصول على الأصوات المطلوبة للفوز بمقعد انتخابي. وهي صيغة سمحت للقوى والأحزاب الكبيرة أن تتسيد المشهد السياسي في العراق.
القانون الانتخابي الجديد الذي تم تشريعه، يقوم على أساس الدوائر المتعددة البالغة 83 دائرة انتخابية، ووفق الفائز بأعلى الأصوات. ما يعني أن التنافس سيكون على مقاعد المجلس النيابي الجديد البالغة 329 مقعداً، باختيار الناخب مرشحاً نيابياً من مناطقهم السكنية بدلاً من اختيار تحالف سياسي أو مرشح على مستوى المحافظة. وهو يختلف هذه المرة عن السابق، لأن أي شخص يمكنه التنافس للحصول على مقعد نيابي من دون الاعتماد على الأحزاب، لكون الأصوات ستذهب بشكل مباشر للفرد.
إن حظوظ المرشحين من الأحزاب الجديدة الناشئة، وخصوصاً تلك المشكّلة من ساحات التظاهر التشرينية، وحتى من المرشحين المستقلين ضد الكتل والكيانات الحزبية في الانتخابات المقبلة غير كبيرة، لامتعاض أغلب الجماهير العراقية من سلوك وتعدّي متظاهري الساحات التشرينية على المصالح العامة والخاصة، وبالتالي فإنه من غير المحتمل أن تؤدي تلك الانتخابات إلى نتائج إيجابية لصالحهم، كما أنه لن يكون لهم تأثير سلبي كبير على مرشحي الأحزاب الكبرى التي لديها شبكات واسعة من التواصل الجماهيري مما يؤهلها الاستفادة من خاصية تقسيم المحافظات لمناطق انتخابية لصالحها. ومن هنا يمكن فهم مغزى الرسالة البريطانية.
إن إجراء الانتخابات النيابية المبكرة في وقتها المعلن، هو في الأساس قرار سياسي قبل أن يكون قراراً قانونياً، إلا أن إجراءها في ظل الفوضى الأمنية وظروف انتشار السلاح المنفلت سيخلق من دون شك الكثير من الإشكاليات، ما ينعكس على نزاهة العملية الانتخابية ومصداقية القوى السياسية العراقية عامة.
في العراق كل شيء متحرك وغير ثابت، وبالتالي لا توجد أي ضمانات على إجراء الانتخابات النيابية المبكرة في الموعد المتفق عليه، فهي متغيرة بتغير الوضع السياسي وطبيعة الجمهور الانتخابي المتأرجح حتى اليوم الأخير من الحملات الدعائية الانتخابية.
فهل ينجح البريطانيون والأميركيون هذه المرة بعرقلة إتمام الانتخابات النيابية المبكرة، مثلما نجحوا في إسقاط حكومة عادل عبد المهدي قبلاً؟!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن