اقتصاد

أنزل القاطع، لا تأكل هذا الجبن: مثالان عـن حماية اقتصاد البلد!

| د. سعـد بساطة

بدأت حملة في الأردن تدعو إلى «إطفاء الكهرباء» رفضاً للغاز الإسرائيلي؛ وشعـارها «نزّل القاطع»!
دعـت الحركة الناس للمشاركة في الحملة رفضاً لاعتماد الأردن على الغاز الإسرائيلي.
الحملة تدعو لإنزال قاطع الكهرباء للضغط من أجل إلغاء الاتفاقية. ووصفت الحركة في بيانها اتفاقية استيراد الغاز من إسرائيل بـ«أكبر اتفاقية تطبيع».
وبدأ ناشطون يدعون للمشاركة الواسعة في الحملة. حيث يرى مؤيدو الحملة أن اتفاقية الغاز الموقعة مع إسرائيل «انتهاك للسيادة الأردنية». وكتبوا: «كل فاتورة كهرباء تدفعها بالأردن تمول جيش الاحتلال لقصف غزة والاعتداء على المرابطين بالأقصى».
من جهة أخرى، قال البعض متسائلين: «لماذا لم تبع لنا أي دولة عربية أخرى الغاز بالسعر نفسه»؟
وقد شهد الأردن الشهر الماضي انقطاعاً تاماً للكهرباء في المملكة دام ساعات طوالاً، ما أدى إلى تعطل الخدمات الحيوية. وقالت شركة الكهرباء الوطنية الأردنية، بعد دخول الاتفاقية حيز التنفيذ، إن التعاقد مع شركة نوبل جوردان لتوريد الغاز للمملكة، كان الخيار الأخير بعد انقطاع الغاز المصري!
وهنا نقفز لموضوع آخر مختلف شكلاً وتاريخاً؛ لكنه متشابه مضموناً..!
دعـوة الفقهاء لتحريم الجبن الرومي تاريخ مقاومة التطبيع الاقتصادي (ت 684هـ/1285م) فقد قال الإمام القرافي المالكي في «الذخيرة»: في تحريم جبن الروم ؛ فلا ينبغي لمسلم أن يشتري من حانوت فيه شيء منه لأنه يُنجِّس الميزانَ والبائعَ والآنيةَ».
ولن يكتمل فهمُ الدافعِ للجزم بتحريم هذه السلعـة إلا إذا استحضرنا أن هذا الموقف الذي اتخذه هذا الإمام العظيم في سياق عصره الذي خيمت عليه أجواء الحروب الصليبية الساخنة والباردة، وتداعيات صراعاتها المريرة التي دامت قروناً في مركز العالم الإسلامي، حيث عاش نصف حياته بين الشام ومصر.
ولئن كان منطق الحِلّ والحُرْمة يخضع لاعتبارات الدليل الشرعي؛ فإنه – من جهة التاريخ- يجب ألا تغيب عن الأذهان أجواء التدافع الحضاري بين الروم والمسلمين، وانعكاس ذلك تاريخياً في مواقف الفقهاء وترجيحاتهم بين الأقوال المتعددة في حكم النازلة الواحدة، فالـ «الجبن الرومي» لم تختلف طبيعته وأدلته ؛ بل الذي اختلف – فيما يظهر- هو السياق ومقتضياته الحضارية.
وذلك هو العامل نفسه الذي يمكننا ملاحظته اليوم بسهولة في مسلك قادة الرأي الديني والسياسي والثقافي الذين يُشْهِرون سلاح المقاطعة التجارية والسياسية في وجه التطبيع التجاري والسياسي مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين.
فإذا كان هناك من يحرص على التقاط صورة تبجيلية مع زعيم «حركة شاس» الدينية الإسرائيلية المعروف بتطرفه تجاه العرب فإننا ننحاز لخيار مقاطعة التطبيع مع المحتلين من السياسة إلى الثقافة مروراً بالتجارة والاقتصاد والاستثمار، مُتّكِئاً في ذلك على نماذج تاريخية مثّلت تفعيلا لهذا السلاح الاحتجاجي الشعبي، الذي هو أضعف الإيمان اليوم في إسناد نضال الشعب الفلسطيني في قضيته الإنسانية والحقوقية العادلة.
بالقياس: ماذا نفعـل وأسواقنا تغـص بسلع جار السوء التركي (رغم المقاطعـة؛ وحملات الجمارك).. يبرر البعـض الوضع بأن السلعـة الوطنية مفقودة؛ أو أن سعـر مثيلتها التركية أرخص. أتساءل كيف يمكننا أن نستهلك بضائع – متعـللين بأعـذار – ممن استباح تراب الوطن؛ وسرق خيراته ثم ننام قريري العـين؟
ما بين القديم والجديد في شأن الحروب الاقتصادية؛ نجد بعض التقاطعات والمفارقات التي نحاول أن نبرز خلالها ظاهرة المقاطعة الاقتصادية للخصوم ومناهضة التطبيع التجاري معهم عبر التاريخ، ذاكرين أبرز وقائع توظيفها أداة سلمية للتأثير السياسي، وسلاحاً فعّالاً في كسب جولات المعارك والحروب بين الدول، ومكوِّناً بالغ الأهمية في إدارة العلاقات بين أمم الشرق والغرب، بل حتى في الفضاء الحضاري الواحد؛ راصدين دور الفقهاء ومفكري السياسة في هذه المعارك الاقتصادية، التي تقوم عبرها دول وتسقط أنظمة وتُنصر قضايا وتُخذل أخرى.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن