قضايا وآراء

مضاعفات الانسحاب من كابول على إسرائيل

| تحسين الحلبي

تحت عنوان «واشنطن تتخلى عن أفغانستان فهل هذه سابقة لما سيتلوها؟» يرى البروفيسور المحاضر في مواضيع إدارة المفاوضات الدولية غيدعون شنير في دراسة موجزة نشرها في مجلة «إنتاج المعرفة» الصادرة بالعبرية أول أمس أن «الولايات المتحدة تضج أحياناً من قيامها بدور شرطي العالم الذي يستوجب منها إرسال جيشها والتدخل المباشر العسكري لمصلحة حلفائها»، ويعترف أنها «تعرض جنودها للأخطار حين يشاركون في حروب في مناطق متعددة ويتعرضون للاتهام بارتكاب جرائم حرب»، ومن بين الحروب التي خاضتها واشنطن تعد حرب أفغانستان من أطول حروبها في العالم وها هي تجبر على الرحيل لتترك أفغانستان لمصيرها في حين يزداد تفكيرها بسحب جنودها من مناطق مختلفة أخرى.
يبدو أن واشنطن وجيوشها بدأت تتعلم من دروس الماضي فقد قتل لها في فيتنام خلال 11 عاماً أكثر من ستين ألفا من الجنود الأميركيين من أجل حماية نظام سايغون ودولة فيتنام الجنوبية وجيشها التابع لها، ثم تخلت عنه وعن دولة فيتنام الجنوبية بعد انتصار الجيش الفيتنامي الشمالي على القوات الأميركية وجيش سايغون معاً وهكذا توحدت فيتنام بعد هزيمة نكراء للجيش الأميركي عام 1975.
يحاول البروفيسور شنير التلميح إلى أن انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان سيثير انتكاسة ومخاوف عند بعض حلفائها في الشرق الأوسط وخاصة عند الكيان الإسرائيلي، لأن الانسحاب الأميركي من أفغانستان يعد تخلياً أميركياً عن النظام الحليف لواشنطن في كابول وتركه لمصيره أمام مجموعات طالبان المسلحة التي لم يتمكن جيش كابول ولا القوات الأميركية من هزيمتها وتصفيتها حتى بعد عشرين سنة من الاحتلال الأميركي لأراضيها.
لا أحد يشك أن تاريخ الولايات المتحدة السياسي والعسكري يثبت حقا أنها تتعرض لعجز واضح عن حماية وجودها العسكري في دول كثيرة منذ الحرب العالمية الثانية، ولم تتمكن من استعادة هذا الوجود العسكري في دول كثيرة رغم أنها كانت تعده وجوداً استراتيجياً لحماية مصالحها الشاملة في العالم كله، وها هي تتعرض في العراق كل يوم لمقاومة مسلحة بالصواريخ والقذائف إلى جانب مطالبة برلمان العراق وحكومته بانسحاب الجيش الأميركي من القواعد العسكرية التي أنشأها بعد احتلاله للعراق منذ عام 2003.
لذلك يتحدث شنير هنا عن مخاوف الكيان الإسرائيلي من هذا الضعف الأميركي وسياسة الانسحاب العسكري من أفغانستان والعراق والتخلي عن حلفاء أميركا في المنطقة، فالكل يعرف أن كل دولة تتخلى عنها واشنطن سرعان ما تتحول إلى دولة معادية للكيان الإسرائيلي، وتفضل التحالف مع القوى الأخرى الإقليمية المعادية لهذا الكيان واحتلاله لفلسطين وأي أراض عربية أخرى مثل الجولان السوري، فانسحاب أميركا من العراق والتخلي عن القواعد العسكرية فيه سيزيد من قوة محور المقاومة ويوسع امتداده كدول وأطراف مستقلة في المنطقة وهذا ما يثير الفزع في الكيان الإسرائيلي ومستقبل وجوده، لأن كل هزيمة عسكرية تفرضها الشعوب على القوات الأميركية، تعد هزيمة وخسارة كبيرة لوجود الاحتلال الإسرائيلي في هذه المنطقة، ولن يكون بمقدور الولايات المتحدة إرسال مئات الآلاف من الجنود لحماية هذا الكيان بعد أن فشلت في حماية حليفها في فيتنام الجنوبية رغم إرسالها لنصف مليون جندي أميركي إلى سايغون منذ عام 1965 حتى عام 1975.
وتدرك القيادة العسكرية في تل أبيب أن أول مؤشرات هزيمتها ستظهر علناً حين تطلب مشاركة الجيش الأميركي إلى جانب جيشها في أي حرب مقبلة طالما أنه لم يضمن حماية حليفه في سايغون ولا حليفه في كابول ولا وجوده في العراق.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن