قضايا وآراء

منبج وإدلب في عين الحدث.. فترقبوا

| منذر عيد

ثمة مشهدان يسيطران حالياً على الوضع في الخريطة السورية، لا يمكن تجاوزهما، أو المرور عليهما مرور الكرام، بل يشكلان حداً كبيراً من الخطورة لجهة الحدث الأول، وهو سياسة التتريك التي يقوم بها النظام التركي في إدلب، والتي كان آخرها الطلب من مرتزقته في التنظيمات الإرهابية إحداث أمانة عامة للسجل المدني في المحافظة تتبع له مباشرة، وسحب البطاقة الشخصية والعائلية الصادرة عن الجهات المعنية في الجمهورية العربية السورية واستبدال بطاقات تركية بها، بينما يحمل الحدث الثاني في باطنه الكثير من الأهمية والدلالات إزاء مستقبل مليشيات «قوات سورية الديمقراطية- قسد» بعد انتفاضة السوريين الأحرار في منبج بريف حلب ضد وجود تلك الميليشيات في منطقتهم، وما تلا ذلك من تداعيات في السياق ذاته في محافظة الرقة ومن قبلها محافظة الحسكة.
في الحدث الأول فإن الأمر يتجاوز قوات محتلة، ودعم تنظيمات إرهابية، للحصول على مكاسب محددة، أو المناورة من أجل أهداف تكتيكية في مناطق أخرى، بل هو مخطط إستراتيجي يعمل عليه رئيس النظام التركي رجب أردوغان منذ وقت طويل، يسعى من خلاله لتحقيق حلمه العثماني، بإعادة أمجاد أسلافه المجرمين، فسار على النهج ذاته من قتل وتدمير وسلب وسرقة وتغيير ديموغرافي، ضمن سياسة تتريك كبيرة وشاملة.
من المؤكد أن سياسة التتريك التي يقوم بها النظام التركي في إدلب، لها أبعاد إستراتيجية مستقبلية، أقل ما يمكن القول عنها تحويل المحافظة إلى لواء إسكندرون جديد، أو إلحاقها باللواء السليب، بعد استكمال تلك السياسة المخالفة لجميع الأنظمة والقوانين الدولية، وتغيير هوية المحافظة العربية السورية، عبر سرقة الملكيات الخاصة لأبنائها، وسلبهم انتماءهم السوري، وثقافتهم العربية، وخاصة أن النظام التركي يدعي زوراً وبهتاناً بأحقيته ببعض القرى في المحافظة، عبر وثائق مزعومة تعود إلى عهد الدولة العثمانية تدعي أنقرة أنها تثبت ملكية 15 قرية في الجنوب الشرق من ريف إدلب، ومن ضمنها: الصيادي والبرسة والخيارة وصراع وصريع.
تثبت الأيام شيئاً فشيئاً سبب إصرار النظام التركي على دخول إدلب، ودعم التنظيمات الإرهابية فيها، بل أيضاً ذهابه أبعد من مجرد الدعم، إلى حد التخندق بين جنود الاحتلال التركي ومسلحي التنظيمات الإرهابية معاً في الخندق ذاته المواجه للجيش العربي السوري، في كل محاولة منه لتحرير المحافظة من دنس الاحتلال والإرهاب، واليوم بلغ الأمر برئيس النظام التركي الذي بات أقرب إلى زعيم عصابة، التخندق في وجه الشرعية والقوانين الدولية، من خلال مساعيه لسرقة إدلب وسلخها عن جغرافيتها وأصلها السوري، ظناً منه أن ما حدث في الأمس بسرقة اللواء بتواطؤ دولي، يمكن تكراره اليوم في إدلب، متناسياً جميع المتغيرات بين الأمس واليوم، وغاضاً الطرف عن جميع الاتفاقات التي وقعها مع الجانب الروسي في سوتشي، الأمر الذي سيضعه حتماً وجهاً لوجه مع الجيش العربي السوري، المصمم على عدم التنازل عن أي ذرة من تراب الوطن، وللحشود العسكرية الحالية للجيش العربي السوري على تخوم المحافظة، حسبما تحدثت مصادر معارضة، رسالة بالغة الدلالة على زعيم العصابة في تركيا أردوغان قراءتها بشكل جيد.
وبذات النطاق هناك حدث كبير بالغ الأهمية، وله الكثير من الدلالات والمنعكسات السياسية والميدانية، وهو انتفاضة أهالي مدينة منبج والمناطق التابعة لها في وجه ميليشيات «قسد»، انتفاضة تجاوزت مسألة التجنيد الإلزامي الذي تفرضه الميليشيات على أبناء المناطق التي تسيطر عليها، وبعض القضايا المعيشية اليومية، إلى قضية طردهم خارج المنطقة برمتها.
تلك الصحوة في مناطق سيطرة «قسد» لم تكن وليدة لحظتها، وإنما هي تراكمات لسنوات من سياسة التميز والقهر التي تنتهجها الميليشيات ضد أبناء المناطق العربية بالتحديد، إلى حد باتت تسرق فيه لقمة عيشهم اليومية من قمح وغيره، وتسلبهم أسباب الحياة الكريمة من مشتقات نفطية، لتسلمها إلى المحتل الأميركي الذي يقوم بدوره بسرقتها وتهريبها إلى خارج سورية.
من الواضح أن «قسد» ارتضت لنفسها لعب دور العميل، والتحول إلى مطية وجسر للمحتل الأميركي، مقابل تحقيق أوهامها بالحصول على كيان مستقل انفصالي، وهذا الأمر كان له بالغ القبول لدى المحتل الأميركي، لكونه يحقق له البقاء في الأراضي السورية مدة أطول، ويطيل أمد الأزمة في سورية، ويشكل بذلك ضغطاً آخر على الجانب الروسي والإيراني والصيني.
ما حصل في منبج ليس سوى بداية نهاية «قسد»، والشرارة الأولى التي بدأت بالانتقال إلى باقي المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات، وما شهدته محافظة الحسكة قبل أيام من دعوة للسير على خطا منبج والانتفاضة في وجه «قسد» خير دليل، الأمر الذي شكل رعباً بين قيادات ميليشيات «قسد» ودفعها إلى التفكير جدياً بإعطاء العشائر العربية في المناطق التي تسيطر عليها المزيد من الصلاحيات وإشراكهم في العديد من القضايا، وهو ما أثار الذعر في نفوس البعض الآخر من تسبب ذلك بفقدان الميليشيات لهيبتها وسطوتها في تلك المناطق، بانتظار إشارة من سيدها الأميركي للمضي قدماً في هذا الخيار، أو العودة إلى سياسة البطش والنار ضد منتقديها والمنتفضين في وجهها، وفي كلتا الحالتين، فإن ذلك بداية تلاشي «قسد» حالها حال أي أداة انتهت مفاعيلها، وباتت من الماضي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن