من دفتر الوطن

صفعة.. وديمقراطية

| فراس عزيز ديب

صفعَ، يصفعُ، صَفْعاً، فهو صافِعٌ لمَصْفوع، أي أن يستخدم الرجل كفّه لضرب شخصٍ آخر. مقدمة لغوية نبدو بحاجةٍ إليها من وحي الحدث الذي كان منذ قبل أمس حتى اليوم محوراً أساسياً لوسائل الإعلام العالمية، و«ترينداً» متقدماً على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو تلقي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون صفعة على وجهه من مواطن فرنسي.
«محكومون من قبلِ مجموعةِ أطفال»، عبارةٌ قالتها يوماً عجوز فرنسية عندما اشتعلت تظاهرات السترات الصفراء في فرنسا، تلكَ العجوز التي تحنُّ إلى ذاكَ الماضي الجميل كانت ربما على درايةٍ بأن نهايةَ حكم الأطفال لبلدٍ كفرنسا هو «صفعة» تُهين الجمهورية وتهين منصب الرئيس.
ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لمثلِ مواقف كهذه، بل ليست المرة الأولى لرئيسٍ فرنسي إذ سبقه إلى ذلك الرئيسان الفرنسيان السابقان نيكولا ساركوزي وجاك شيراك لكنها حكماً لم تصل إلى مرحلةِ الصفع. هذه الصورة قد لاتعكس فقط حالَ التمرد التي وصلَ إليها الشارع الفرنسي، لكنها في الوقت ذاته تعكس حال الوهن الذي وصلت إليه الجمهورية عندما تضطر أن تختار بين أطفال السياسة وعتاةَ اليمين المتطرف، لكن يبقى السؤال فعلياً هل هي ردة فعل عاقلة أم تصرفٌ غيرَ محسوب؟
لا أحد يعلَم ما دوافع هذا الشاب لارتكاب هذا الفعل تحديداً والعقوبة لاتبدو سهلة بعيداً عن كل المسببات، فالقانون الفرنسي حدد العقوبة بنوع كهذا من الاعتداء بالسجن لمدة ثلاث سنوات وغرامة مالية تصل لخمسة وأربعين ألف يورو، وربما إن أراد ماكرون الانتقام بشكلٍ أكبر فإن عليهِ الحصول على تقرير طبي يوضح فيه أن تلك الصفعة ستحرمهُ من العمل لمدةِ أسبوع، عندها ترتفع العقوبة تدريجياً لتصلَ إلى مئة ألف يورو وسبع سنوات سجن، عقوبة كبيرة لا تتوازى أبداً مع الحدث وأهميته، عقوبة قد تنتهي ببساطةٍ إن أعلن ماكرون بعدَ أيام إسقاط حقهِ الشخصي عندها ينتهي الحدث ويظهر ماكرون بصورةِ البطل المسامح، فتتحول المقدمة اللغوية إلى: صفحَ، يصفحُ، صفحاً، لكن ما الذي سيجنيه ماكرون؟
ببساطة قد يكون جنى الكثير من هذا الحدث، هناك حالة تعاطفٍ معه غير مسبوقة لأن هناك من يرى بالحدث إهانة للجمهورية ولعله أحوج ما يكون لتعاطف كهذا في هذا الوقت بالذات، لكن أياً كان لا يجب الخلط بين الحدث وبين الديمقراطية تحديداً عندما تشاهد التعليقات العربية على الحدث والتي بمجملها تثير السخرية، ثمة من قال إن الشاب صفعَ ماكرون باسم الديمقراطية؟ لاعلاقة للديمقراطية بهذه الصفعة نحن نقوم هنا بتحميلِ الديمقراطية ماليسَ له علاقة بهِ، هذا موقف قد يتعرض لهُ أي شخص أو أي مسؤول عبر العالم بل على العكس هناك من سيقول بكل بساطة:
ماذا لو كان هذا المعتدي من إحدى الدول التي ليسَ فيها نظام قضائي وقانوني مستقل ماذا سيحدث؟ لكم الجواب!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن