من دفتر الوطن

قانون للمُسيَّرات

| حسن م. يوسف

«ليست لدي أية موهبة خاصة. أنا مولع بالفضول فقط». أعترف أنني شعرت بارتياح كبير عندما قرأت عبارة العبقري ألبرت أينشتاين هذه، فقد تربينا على أن كثرة الفضول دليل على الجهل، وأن تدخل المرء فيما لا يعنيه سيجعله يسمع كلاماً لا يرضيه. فـ «ضياع العقول في طلب الفضول» و»شر ما يشغل به المرء وقته، الفضول». وفي صدر شبابي قمع عمر الخيام فضولي عندما قرأت له قوله: «وأسعد الخلق قليل الفضول، من يهجر الناس ويرضى بالقليل». إلا أن كل هذا الوعظ لم يردع فضولي، فقد خلقت فضولياً والطبع يغلب التطبع كما يقال.
أعترف أن فضولي جعلني أضيع الكثير من الوقت في تتبع قضايا علمية بحتة لا علاقة لها باختصاصي. فقبل نحو عقدين من الزمن دفعني فضولي للتعرف على تقنية الـ(نانو) أي الجزئيات متناهية الصغر التي يقل حجمها عن الميكرومتر، أي واحد على مليون من المتر، وقد بلغ فضولي مداه الأقصى عندما قرأت ملخص بحث عن سر السيف الدمشقي المشهور بقدرته الكبيرة على القطع ومتانته المذهلة ومرونته الكبيرة، للباحثة ماريان ريبولد وزملائها في جامعة درسدن الألمانية، جاء فيه أن السيف الدمشقي مصنوع من مواد مؤلفة بمقياس النانومتر، وكلمة «النانو» مشتقة من الكلمة الإغريقية «نانوس» التي تعني (قزم) ويقصد بها، كل شيء صغير.
قبل ثمانية أعوام شاهدت مقطع فيديو من إصدار مختبرات سلاح الجو الأميركي يظهر مسيرات طائرة ضئيلة الحجم تتغذى بمختلف أنواع الطاقة وتبث ما تراه بالصوت والصورة، يمكن استخدامها في التجسس وفي اغتيال الخارجين على القانون… الخ. وفي عام 2015 شاهدت فيلماً بريطانياً بعنوان «عين في السماء» إخراج غافين هوود، استُخدمت فيه مسيرات طائرة إحداها على شكل زيز، بغية التأكد من هوية إرهابيين في الصومال. إذ يتم إدخال زيز مسير طائر إلى بيت الإرهابيين، فيقوم الزيز بنقل صورة الإرهابي المطلوبة عبر الأقمار الصناعية، ويتم التعرف عليها في لندن من خلال تقنية تمييز الوجوه… الخ
قد يظن كثيرون أن ما سبق ووصفته هو مجرد خيال علمي، لكن الواقع له رأي آخر، فقد انتشرت الآلات المسيرة في السماء وعلى الأرض وتحت الماء في كل أنحاء العالم، وقد شاركت مؤخراً على صفحتي بمقطع فيديو مذهل تم تصويره بوساطة طائرة مسيرة. فكتب لي مهندس «الميكاترونيك» السوري مهند إسبر الذي تخرج في جامعة تشرين عام 2008 وهو يعمل في حقل الطاقة الشمسية في الإمارات، متمنياً عليَّ كتابة مقال عن هذا الموضوع المهم كي «… تكون الدولة سباقة في وضع قوانين تنظم قواعد ومناطق استخدامه (أي الدرون)، فمثلاً في الإمارات، حددت ثلاثة نطاقات أولها أخضر وهو البراري المسموح التصوير فيها من دون إذن، وثانيها الأصفر وهو ما يتطلب التصوير فيها إذنا محدداً، وآخرها الأحمر وهو المناطق الحساسة التي يمنع فيها التصوير بتاتا».
لا أخفيكم أنني أمضيت اليومين الماضيين وأنا أقرأ عن الآلات المسيرة في الهواء وعلى الأرض وتحت الماء وقد أذهلني التطور الهائل الذي حصل في هذا المجال، خلال السنوات القليلة الماضية، إذ صَغُر حجم المسيرات وازدادت فعاليتها، فهناك طائرة مسيرة تحمل بحقيبة كتف، ويمكن شراؤها ببضع مئات من الدولارات. ولأن هذه المسيرات تباع في البلدان المحيطة بنا، وتهرب إلى بلادنا، فقد أثار اقتراح الصديق المهندس مهند إسبر اهتمامي، وأرجو أن يثير اهتمام الدولة السورية أيضاً. المطلوب الآن من الجهات المعنية أن تتخلي عن أسلوبها القديم في منع كل ما هو جديد، وأن تقوم بوضع قوانين تنظم قواعد استخدام الآلات المسيرة في الهواء وعلى الأرض وتحت الماء، وتسمح للشباب السوري باستخدام هذه المسيرات، لأن التصوير بوساطتها «يمكن أن يشكل قفزة في الصورة المرئية، ويشجع على السياحة، وينشئ فرص عمل للشباب السوري» على حد قول الصديق مهند. فللمسيرات فوائد هائلة في عمليات الصيانة والرقابة، كما يمكن استخدامها في مجال الترفيه، كما حدث في مهرجان تسوق دبي لهذا العام، حيث «استخدمت الطائرات المسيرة بدلاً من الألعاب النارية المكلفة وغير الآمنة».
أرجو أن يؤخذ هذا الاقتراح على محمل الجد فالغد يبدأ الآن.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن