ثقافة وفن

الله.. والفكر.. والحرية

| إسماعيل مروة

من الذي أقنع الإنسان بأنه قادر على أن يكون كل شيء في الوقت نفسه؟!
من الذي أقنع الإنسان بأنه لا شيء، ولا يحمل أي قيمة وهو يتحرك بحيوية أحياناً وبتؤدة في أحايين كثيرة؟!
الذي لاشك فيه أن الإنسان خليفة الله والناموس في الأرض، وبغض النظر عن أي رأي ديني أو إيديولوجي، فإن الإنسان هو الصورة الماثلة، وهو الآمر الناهي، وهو الفاعل، وهو الذي يتحمل نتائج فعله، فالله، إن أردنا المرجعية الدينية، خلقنا لنعمر الأرض، وخلقنا أحراراً، ويخضعنا للمحاسبة، وفق حريتنا، وليس وفق مبدأ الجبر، فالمجبر مسيّر، والمسيّر فاقد للحرية، وفاقد الحرية لا عقل له، ولا يجوز أن يحاسب على ما يفعله دون إرادته ودون وعيه! فإذا ما خضع للمحاسبة وفق المنظور الديني فلأنه يملك الحرية، ويتصرف بملء إرادته، وعليه يمكن أن يحكم على سعادته وشقائه، وما إلى ذلك من قضايا تتبع هذه الرؤية المهمة والمحترمة، وخاصة أن الدين بالشرائع المتعددة، ما عرفنا منها وما لم نعرف، وآخرون لا تعلمونهم الله يعلمهم، الدين وجد لوضع الأنظمة والقوانين التي تجعل حياتنا أكثر تنظيماً، وأكثر هدوءاً، ولتبعدنا عن شريعة الغاب، وذلك بانتظار ما جهلنا في الغيب، ويشكل رادعاً حقيقياً لنا، ولكن الكثيرين ممن ملكوا القدرة والذكاء والجرأة، استطاعوا أن يحوّلوا هذه الشرائع إلى ميدان للمصلحة الذاتية، وليس للمصلحة العامة التي وجدت لأجلها، فقيّدوا وسجلوا، وزادوا، وشرحوا، وفصّلوا، وصنعوا لذلك مؤسسات جعلت الشريعة غاية بحد ذاتها، بل ليتهم جعلوا الشريعة غاية، لأن الغاية صارت محصورة بالمؤسسات والشخصيات الاعتبارية التي تمثلها وتحصد نتائجها، والأدلة على ذلك كثيرة، ففي أي زمن سحيق مضى، وفي أي زمن قريب معنى، وفي زماننا، وفي الأزمان المستقبلية، أسس هؤلاء الأفاضل لمؤسسات ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالسلطة، لا تبقي واحداً منهم يعاني ما يعانيه الناس من أزمات ومن فاقة وحروب، فلا شيء، يمس الطبقة العليا من هذه المؤسسة، مع أن المعاناة تطول أولئك الذين ينتهجون الإيمان، ولكنهم لم يحددوا خياراتهم في المؤسسة الدينية!! بالتأكيد لا أعمل على محاسبتهم فلست المخوّل بذلك، ولو كنت كذلك، فإن المحاسبة الإنسانية فعل أخلاقي أكثر منه أي شيء آخر، ولكن لا يحق لمن يملك النوازع الإنسانية أن يتحول إلى ناطق باسم الله، يحاسب نيابة عنه، وربما غيّر مجرى الأوطان! وفي أثناء عملي المهني التقيت عدداً كبيراً من هؤلاء العلماء، ليس في سورية وحدها بل في سائر البلدان العربية والإسلامية، ورأيت ذاك الذي تحمله طائرة خاصة إلى مكان بعيد ويحفه المريدون ويتحدث عن الزهد وعن التعاليم المحمدية، وحين أزفت الآزفة كان هذا السيد بنظرته الإنسانية غير النقية معادياً لوطنه إكراماً لمؤسسة طوّبته حتى وإن كانت خارج حدود الأوطان! ويأتيني هذا السيد وسواه ليحدثني عن علاقتي بالله، ويطلب مني أن أكون حمامة للمسجد في الوقت الذي يطير فيه الأميركي والياباني والأوروبي والآسيوي إلى القضاء لاستكشاف حياة علمية أخرى، ويطلب مني أن أكون زاهداً، وهو صاحب أرصدة وشركات وأموال! والأكثر غرابة أن عامة الناس يتبعونه، وهم أحرار في ذلك، لكنهم يتبعونه في نسف هذا وضرب هذا وقتل هذا، وتكفير هذا، والسلسلة تطول! وإن حدث أمر ما يقول لك، هذا أمر الله المقدر، وإن لم يعجبه أمر نسبه لفعل الإنسان، وإن عادى شخصاً شيطنه، فيصبح شيطاناً رجيماً، وإن توافقت مصالحه مع جاهل صار عالماً، ومع غير الأخلاقي، فإنه يسبغ عليه صفات الأولياء والصالحين، وربما الأنبياء.. وفي كل حال التابع فاقد للحرية، والمتبوع فاقد للحرية، ويفكر عنه سيده المشار إليه، فأي فكر لا يملك الحرية؟!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن