ربما لم يتعرض مخرج كالذي تعرض له المخرج جود سعيد بعد عدم نجاح تجربته في مسلسل «أحمر» فالمخرج السوري تعرض لحملة انتقادات واسعة ظلت تلاحقه حتى وقت إنجاز مسلسله «خريف العشاق» فكان هذا العمل تحدياً ليثبت جود أنه بارع في الدراما مثلما هو بارع في السينما.
هكذا رسم المخرج المتقن لكل تفاصيل العمل الفني خيوط عمله «خريف العشاق» ببراعة فقدم حالة متكاملة من الصورة المناسبة للفترة الزمنية التي يتناولها العمل عدا الاتكاء على حالة بصرية مليئة بحالة من الإحساس التي تناسب حكاية شخوص المسلسل.
أتقن جود اختيار زواياه ولقطاته وقطعاته فأحاط بالحكاية والمشاهد من كل جوانبها عدا التميز والاختلاف الذي ظهر به ممثلو العمل، كان لافتاً طريقة بناء المشهد وإيقاعه فحتى لو كان مشهداً عادياً كان جود يحوله لحكاية يتكئ عليها في صناعة عالم درامي خاص بالحكاية متكامل ومتزن من اللقطة الأولى وحتى الأخيرة في العمل.
ربما استطاع جود بهذا العمل إسكات المنتقدين وإيصال رسالة أنه مخرج يراهن عليه بقوة، فعلى الرغم من ضعف بعض الجوانب التي تتعلق باختيار الأماكن المناسبة للتصوير مثل مشاهد محمد الأحمد في بريطانيا والتي اختصرت بكبين هاتف وفيلا، إلا أن جود لم يجعل المشاهد يحس بالفراغ أو ينظر إلى المكان بل نظر إلى الحكاية وهو ما يحسب لكاتبة العمل ديانا جبور أيضاً فرسمت حكاية جميلة بالمجمل، ولكن لا يمكن إنكار أن العمل وقع في مطب بطء الإيقاع والسرد في بعض الأماكن وربما هذا مرده إلى الشرط الثلاثيني للعمل الرمضاني.
وبالمقابل هناك خطوط درامية كخط «جولييت» و«بدر» كانت بحاجة لشد أحزمة ومعالجة أكبر، فليس من المعقول أن تتهيأ كل الظروف دفعة واحدة لفراقهما وليس من المنطقي أن تقبل بفكرة الخيانة وسكن زوجها مع امرأة بريطانية من دون أن تسأله وأن تصدق الرواية لمجرد سماعها من صديق وبشكل عفوي، ولكن بالمقابل رسمت جبور حكايتها بحالة من الإتقان في الكثير من الخطوط ولعل أبرزها خط «سعيد» (أحمد الأحمد) و«هلال» (حسين عباس) و«هيفا» (صفاء سلطان)، وبحالة إيقاعية وبناء متوازن لهذه الشخصيات.
وعلى صعيد الأداء برع أحمد الأحمد كعادته بشخصية «سعيد» فقدم أداء يثير الدهشة استند فيه أحمد إلى جملة من التفاصيل المميزة لبناء الشخصية سواء على صعيد الشكل أم ردات الفعل أو تصوير الحالة النفسية لسعيد بصورة لافتة، ولعل المشهد الذي جمعه مع «هلال» (حسين عباس) خلال إصابة أحمد بإذنه خلال حرب تشرين التحريرية مشهد يحمل الكثير من العبر على صعيد مدرسة الأداء التي يقدمها أحمد.
الأمر نفسه ينطبق على محمد الأحمد فالنجم الموهوب قدم أداء مختلفاً جداً في هذا العمل، فقد تصور شخصية جديدة مزجها بين الواقع والحلم وتعامل مع تقلبات الشخصية نفسياً واجتماعياً بصورة مميزة وبتكنيك وإيقاع عال لا تشوبه شائبة.
وبالطبع عندما يحضر نجم بقيمة أيمن زيدان بعدد قليل من المشاهد فيكون لأدائه خصوصية عالية.. أبو حازم كان كعادته مدرسة متفردة في أداء وضبط انفعالي وإحساس يدرس.. قدم أيمن زيدان حالة تدرس في تكنيك الأداء وتوازنه.
ولا تبدو صفاء سلطان في «هيفا» خارج هذا السياق فقدمت دور الامرأة المضحية ببراعة عالية وبإحساس وانضباط إيقاعي مميز قدمت حالات الشخصية في عز انكسارها وعز قوتها بأداء متقن فكانت مختلفة كلياً عن الأدوار السابقة وبدور جديد كلياً… فلم تتكئ صفاء على جمالها بل اتكأت على براعتها في تقديم تصور مميز لحالة «هيفا» وكان لافتاً الشراكة المميزة مع الفنان حسين عباس الذي قدم واحداً من أجمل أدواره في العمل ولعل مشهد المطار بين محمد وأحمد الأحمد وحسين يدرس في إتقان الأداء وطريقة إخراج المشهد وزواياه.
وبالطبع برع عدد من الوجوه الشابة في العمل ولعل أبرزهم علا سعيد وترف التقي التي أثبتت أنها لم تدخل المجال لأنها ابنة صباح الجزائري بل لأنها تملك الموهبة والحضور الذي يمكنّها من كسب مكان متميز بين النجوم الشباب، وكان لافتاً الحضور المختلف للفنان لجين إسماعيل والفنانة حلا رجب التي تميزت بشخصية مختلفة عما قدمته في السابق.
خريف العشاق حكاية ممتعة وإن لم تكن مبنية على التشويق أو الإثارة بل بنيت على حكاية اجتماعية تعيد للدراما السورية ألقها الذي فقدته في هذا المجال.