ثقافة وفن

«حارس مسرح الحمراء» محمد متولي المصري الذي عشق سورية … أيمن زيدان: تخونني الكلمات.. كم هو موجع رحيل الناس الطيبين

| سوسن صيداوي

بتاريخ ٢٥/٨/١٩٧٩ في الساعة الثامنة مساء، حطّت طائرة حملت رجلاً أحب سورية واحتضنها بعناق قوي، وأبى أن يغادرها إلا لما قرر القدر أن يكون الوداع الأخير، منذ يوم ٢٩ أيار الماضي، حيث ودّع الفقيد خشبة مسرح الحمراء وأصدقاءه من بوابة المغادرين بمطار دمشق الدولي، ولكن وللأسف دون عودة، ليغادر راحلنا إلى مثواه الأخير في مصر.

نعت نقابة الفنانين بدمشق ومديرية المسارح أحد أعمدتها، حارس مسرح الحمراء محمد متولي ابن الجمهورية العربية المتحدة، والذي لم يبخل يوماً بنشاط أو عطاء سواء في ملتقيات الفن التشكيلي، أم في مديرية المسارح.

سنقف اليوم عند محطات ما بين حياة الفقيد ورثائه من الأحباء.

حارس مسرح الحمراء

غادر محمد متولي وطنه الأول مصر، ليقيم في وطنه الثاني سورية منذ عام 1979، زوجته سورية من عائلة «سرور» وله ولد وحيد «أنس»، منذ عام 1982 يعمل متولي في «مديرية الفنون الجميلة» وبعدها في مسرح الحمراء حتى وفاته.

نذر نفسه للفن بالعموم، ولم يبخل بالمساعدة لكل فنان أو فني، فلقد كان نشيطاً جداً، ومواظباً على التنسيق المطلوب سواء في الملتقيات التشكيلية التي كانت تتم وتجمع الفنانين التشكيليين، أم في المسرح – مسرح الحمراء- فهو لم يكن حارساً ليلياً فقط – وهذا العمل قد أوكل إليه بسبب فقدانه لمنزله وعدم توافر منزل ينام به- بل كان مساعد مخرج ولكل العاملين في المسرح من ديكور، إضاءة، وهو إلى جانب المخرج طوال الوقت في بروفات الممثلين. وبالنسبة للجمهور، كان مرحباً دائماً بالكل، حيث كان يلاقينا دائماً بعبارات محبّة باللهجة المصرية، وبابتسامة تعبّر عن خفة دمه.

وكما أشرت أعلاه، رفض متولي مغادرة سورية حتى بعدما فقد منزله بسبب الحرب، ورغم سفر زوجته وابنه إلى مصر، بقي هو هنا في دمشق، مستقراً في مكانه المفضل والذي يجد فيه الراحة والسكينة في مسرح الحمراء.

آخر طلّة

في يوم المسرح العالمي، طلّ محمد متولي، هذه المرة أمام الكاميرا وليس من وراء الكواليس، ليقول كلمات تعبّر عن مدى حبه لسورية، في مقطع فيديو صوّرته الزميلة المذيعة ألما كفارنة، وكان هذا المقطع قد انتشر بكثرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بمجرد إعلان خبر الوفاة، وخلال حديثه ظهر حب متولي الكبير لسورية ولمسرح الحمراء، وفيه قال: «منذ ٢٥/٨/١٩٧٩ الساعة الثامنة مساء قدِمت إلى سورية، لأعمل في وزارة الثقافة/ مديرية الفنون الجميلة، وأنا أعمل في مسرح الحمراء منذ ثماني سنوات وقبلها عملت مع الأستاذ أكسم عبد الحميد في ملتقيات الفن التشكيلي، كما عملت في معهد أدهم إسماعيل».

وكان تحدث عماد جلول مدير مديرية المسارح والموسيقا في وزارة الثقافة، عن الظروف التي جعلت من محمد متولي حارساً ليلياً لمسرح الحمراء، لافتاً إلى أن السبب – كما أسلفنا – هو لفقده منزله أثناء الحرب، متابعاً بأن الظرف الصحي القاسي الذي كان يعاني منه الفقيد هو الذي دفعه للسفر إلى مصر، قائلاً جلول: «منذ شهر ونصف مرض (متولي)، وتقرير الطبيب أوضح أنه منذ ثلاثين عاماً يعاني من التهاب الكبد الفيروسي درجة C، وتفاقم المرض من أشهر قليلة نتيجة وجود جرثومة في الكبد، لكن منذ شهر ونصف اشتدّ عليه المرض، فدخل المستشفى إثر ذلك ليوم، ثم غادر دمشق منذ عشرة أيام، إذ فضل زيارة أهله في مصر، ليقضي معهم عطلة عيد الأضحى، وتابع علاجه هناك حتى وافته المنية… رحمه الله».

في رثائه

حزن عميق انتشر عبر صفحات التواصل الاجتماعي السورية، فرواد المسرح، ومتابعو الحركة التشكيلية، كلّهم التقوا بالعم متولي، وكثيرة هي الكلمات المحبّة والحزينة الصادقة، التي نُشرت على صفحات محبي الفقيد سواء أكانوا من أهل الفن، أم من أهل الصحافة أم من الطبقة المثقفة.

المخرج المسرحي مأمون الخطيب نعاه متأثراً بحزنه العميق: «كل من عمل في مسرح الحمراء الدمشقي يتذكر ولو نهفة خفيفة الدم بنكهة مصر العظيمة على لسانك.. اللـه يرحمك يا أبو أنس.. عم متولي».

من جانبه الفنان التشكيلي أيمن الدقر، عبّر عن محبته للفقيد قائلاً: «لروحك السلام والسكينة أيها الصديق الحقيقي، والرجل النظيف، لطيف المعشر، المحب، الصادق (محمد متولي) الحارس المصري لمسرح سينما الحمراء بدمشق غادرنا… كان واحداً ممن أعانوني لوجستياً في المعارض الرسمية التي أقمتها، كمعرض (الوثائق الفلسطينية) ومعرض (البنية التحتية) في دار الأوبرا وغيرهما من المعارض، كان محباً للعمل، نشيطاً… عزائي لجميع من أحبه وتعامل معه، ولأصدقائي من الجمهورية المصرية.. كان صديقاً حقيقياً وفياً بكل ما للكلمة من معنى».

في حين كتبت ابنة المسرح الممثلة روبين عيسى على صفحتها على الفيسبوك قائلة: «مؤلم جداً هالخبر… الحج (محمد متولي) حارس مسرح الحمراء في ذمة الله.. الرجل الطيب الوفي اللطيف والمحب، صاحب الدعابات والروح المرحة.. رح نشتقلك كتير، ورح يشتقلك مسرح الحمرا يا طيب. لروحك السلام والسكينة والرحمة يا صديقي».

وأخيراً القدير أيمن زيدان نعاه على صفحته الشخصية على الفيسبوك قائلاً: «كم آلمني رحيلك أيها الرجل الطيب… كنت صديق بروفاتنا وعروضنا، وصدى ضحكاتك لازال حاضراً في جدران مسرح الحمراء… تخونني الكلمات في رثائك.. كم هو موجع رحيل الناس الطيبين… صديقي متولي وداعاً».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن