قضايا وآراء

الكذب والتضليل في قضية مصلح

| أحمد ضيف الله

أعلنت خلية الإعلام الأمني العراقية في بيان لها في الـ26 من أيار الماضي، أنه «وفق المادة 4 من قانون مكافحة الإرهاب نفذت قوة أمنية فجر ذلك اليوم عملية إلقاء القبض على المتهم قاسم محمود كريم مصلح، وجار التحقيق معه من لجنة تحقيقية مشتركة في التهم الجنائية المنسوبة إليه وفق السياقات القانونية».
قاسم محمود كريم مصلح الخفاجي هو آمر لواء الطفوف في الحشد الشعبي، اعتقل من دون الإعلان على وجه الدقة عن ماهية التهم المنسوبة إليه، لتتولى وسائل إعلام عربية ومحلية بقيادة فضائيات «العربية» و«العربية الحدث» السعوديتين و«الحرة» الأميركية، في بث شبه مستمر توصيف هذه التهم، التي تضمنت «صفقات فساد داخل لواء الطفوف، واغتيالات لتجار وصحفيين بارزين وناشطين من بينهم إيهاب الوزني وفاهم الطائي من أهالي مدينة كربلاء، وسرقة رواتب منتسبين وهميين في الحشد الشعبي، وتلاعب بالمال العام..»، فيما تولت ريادة تسويق تلك التهم صُحفياً، صحيفة عراقية ضلت «الطريق» وتاهت في «المدى».
الوسائط الإعلامية تلك وبمعية العشرات من المواقع الإلكترونية المشبوهة التمويل، تحدثت عن قيام قوات أمنية تابعة للحشد الشعبي مدججة بالسلاح باقتحام مناطق مهمة داخل المنطقة الخضراء حيث مقر الرئاسات العراقية والسفارات الأجنبية والبعثات الأممية، كرد على اعتقال مصلح، وقامت بتطويق منزل رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، ومنزل رئيس لجنة مكافحة الفساد الفريق أحمد أبو رغيف، فضلاً عن مبنى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، متحدثة أيضاً عن تحرك قوات حشدية من محافظتي البصرة وبابل باتجاه العاصمة بغداد، مؤكدة أن المعتقل مصلح أدلى باعترافات «مهمة ونادرة» ساعدت في الكشف عن الكثير من الجرائم، وأنه كان بمثابة «الصندوق الأسود لشبكة من الميليشيات النافذة في العراق والأذرع السياسية التي تغطي عليها».
مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية الأميركيان، وسفيرا بريطانيا وكندا، وحتى الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في بغداد، قاموا بتسخين هذه الأجواء، والإيحاء بأن الحشد الشعبي يقود عملية عسكرية انقلابية للإطاحة بحكومة الكاظمي، مرحبين في بياناتهم «بكل جهد من الحكومة لمحاسبة الميليشيات والبلطجية والجماعات الأخرى، على هجماتهم ضد العراقيين»، وبأنه «لا ينبغي لأحد استخدام القوة والتهديد لعرقلة التحقيقات الجنائية».
اعتقال مصلح تم بطريقة مُهينة، مخالفة للأصول والسياقات القانونية والعسكرية العراقية السائدة، حيث لا يحق لأي جهة اعتقال أي منتسب في الدفاع والداخلية وجهاز مكافحة الإرهاب والحشد الشعبي، إلا من الجهة التي ينتمي إليها المنتسب، وعبر القاضي المختص، وما جرى تم حتى من دون إشعار مديرية الأمن والانضباط في هيئة الحشد الشعبي بذلك، حتى إن وزير الدفاع جمعة عناد، وبالرغم من تصريحاته لراديو «المربد» في الـ29 من أيار الماضي التي عدت مُجحفة بشأن حجم مشاركة الحشد الشعبي في المعارك ضد تنظيم داعش، أكد أن عملية اعتقال مصلح «جرت بطريقة خاطئة»، وأنه كان الأجدى «أن يتم الطلب من أمن الحشد تسليم الشخص الذي عليه مذكرة إلقاء قبض لإجراء التحقيق معه».
الإعلان عن إغلاق المنطقة الخضراء ومنع دخول جميع الأرتال المسلحة سواء أكانت تابعة للجيش أم الشرطة أو الحشد الشعبي أو غيرها، إضافة إلى إغلاق بعض مداخل العاصمة بغداد وانتشار عدد من الدبابات في الشوارع الرئيسة القريبة من مداخل المنطقة الخضراء، لم يكن بسبب قيام عناصر مجهولة الانتماء متكدسة في نحو 40 مركبة «بيك آب» بالسلاح الخفيف والمتوسط، بالتظاهر في الشوارع القريبة من مداخل المنطقة الخضراء لأقل من نصف ساعة، احتجاجاً على طريقة اعتقال مصلح، بل جاء نتيجة لما هللت له قناتا «الحرة» و«العربية الحدث» من أن قوات من المارينز الأميركية شاركت في عملية اعتقال مصلح، نقلاً عن السفيرة الأميركية في الكويت إلينا رومانوسكي! وهو ما استدعى قيام قيادة عمليات بغداد بعملية الانتشار الأمني تلك كإجراء احترازي خشية وقوع أي احتكاك عسكري مع الفصائل المقاومة ومناصري الحشد جراء هذا الخبر، التي أُلغيت بعد أقل من 24 ساعة.
قاسم مصلح الذي يُعد من أهم قيادات الحشد الشعبي تنتشر قوات لوائه في منطقة إستراتيجية غرب محافظة الأنبار، والذي كان فيما مضى قد مَنع رتلاً أميركياً قادماً من سورية من دخول منطقة عملياته في الأنبار، واتهم مراراً بتجاهل الهجمات التي تتعرض لها قاعدة عين الأسد في الأنبار التي توجد فيها قوات أميركية وأخرى أجنبية، وأطلق سراحه في الـ7 من حزيران الجاري بقرار من مجلس القضاء الأعلى «لعدم كفاية الأدلة»، وبه فشلت كل محاولات جر الحشد الشعبي إلى مواجهة عسكرية مع باقي صنوف القوات المسلحة.
إن اعتقال مصلح بتلك الطريقة المخالفة للقانون يمثل سابقة خطيرة، وإساءة لقوة قتالية وطنية مُشرّفة شُرعت بقرارات من المجلس النيابي والحكومة، وكان لها دور مميز في محاربة الإرهاب الداعشي، ما يتطلب تصحيح هذا الخطأ الفادح وإعادة الاعتبار لهذه المؤسسة وقادتها ورجالها، ورفض شيطنتها، ومواجهة كل محاولات حلّها، لكون استمرار بقائها ضرورة إستراتيجية للعراق ولقوى المقاومة في المنطقة العربية في وجه مؤامرات المتصهينين الجدد بالمنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن