عربي ودولي

اعتبر في لقائه مع لـ«الوطن» أن التجربة الصينية تثير الكثير من الأسئلة في سورية … مدير مركز «مداد»: التنمية والتطور شكّلا نقطة الفصل بمقاربة الحزب الشيوعي في قيادة بلاده

| سيلفا رزوق

اعتبر مدير «مركز دمشق للأبحاث والدراسات – مداد» هامس عدنان زريق، أن التجربة الصينية في السياسة والاقتصاد والاجتماع، تثير الكثير من الأسئلة، خصوصاً في سورية التي تحتاج أكثر ما تحتاجه إلى نهضة تعيد إصلاح وبناء الدولة والمجتمع والسياسة والاقتصاد.
وفي تصريح لـ«الوطن»، بمناسبة احتفالات الصين بمئوية الحزب الشيوعي الذي يصادف الأول من الشهر القادم، أشار زريق إلى أن هذه الخصوصية السورية تنبع من المقارنة الضمنية بين حزبين قائدين للدولة والمجتمع، وهما حزب البعث العربي الاشتراكي، والحزب الشيوعي الصيني في مئوية تأسيسه، معتبراً أن الكثير من السوريين من أنصار البعث ربما يشتهون تكرار التجربة الصينية ومقارباتها.
زريق لفت إلى أن النقطة الفصل في مقاربة الحزب الشيوعي الصيني في قيادة بلاده، هي أن التنمية والتطور شكلا الأساس فيها، وليس النموذج الغربي في الديمقراطية والتعددية، أي الانفتاح الاقتصادي بنموذجه الرأسمالي التنموي، إن صح التعبير، والسلطة المركزية القوية، أي اقتصاد سوق اشتراكي وحزب قائد للدولة والمجتمع، مبيناً أن ذلك لم يتم لولا إيمان الحزب الشيوعي بضرورة الاستفادة من إمكانيات جميع الصينيين وعقولهم واستمراره في مشاركة جميع التوجهات السياسية بأفكارهم وجهودهم، عندما يتعلق ذلك بالمصلحة العليا للبلاد، واصفاً الأمر بالنموذج الجديد للتنمية والتحرر الوطني.
زريق لفت في تصريحه لـ«الوطن»، إلى أن السوريين ربما توقعوا الكثير من الصين، شأنها شأن جميع الحلفاء، وربما يلومونها على دورها «الثانوي» كما يعتقدون، لكن الصين لم تبخل في مساعدة سورية، فالتدخل العسكري غير وارد ولا حاجة له في ظل الوجود العسكري الروسي، كما أنها استخدمت حق النقض في جميع المناسبات حمايةً للسيادة السورية، وقدمت الكثير من المساعدات الاقتصادية والمنح والمساعدات الأخرى.
وأشار زريق إلى استضافة مركز دمشق للأبحاث والدراسات (مداد) في عام 2019، لوفد من دائرة العلاقات الخارجية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، حيث أكد الصينيون أن الحل السياسي هو المخرج الوحيد لمسألة سورية، وأنهم يدعمون سيادة سورية واستقلالها ووحدة أراضيها.
وبين زريق أن الوفد الصيني تطرق خلال استضافة مركز (مداد) له إلى عدة مواضيع، وقال: «هذه المواضيع والنقاط المهمة لابد من الإشارة إليها لفهم أعمق للتجربة الصينية، وكيفية الاستفادة منها في سورية، وهذه الموضوعات توزعت كالتالي حسبما أوردها الوفد الصيني: أولاً: قمنا في الصين باكتشافات كثيرة في هذا المجال، ولدينا تجربة جيدة، حيث قمنا بتأسيس مركز التكوين المهني في إقليم شينجيانغ لمنع حدوث الهجمات الإرهابية قبل وقوعها، لأننا وجدنا أن المناطق الفقيرة والمتخلفة من السهل أن يظهر فيها الإرهاب، لذا يجب تأمين الإعداد المهني الذي يكسب الناس المهارات اللازمة للحصول على العمل. وفي الوقت نفسه يجب تعميم القانون على هؤلاء ليعرفوا ما هي الأعمال الخارجة على القانون، كذلك تعليمهم اللغة الرسمية للدولة ليبحثوا عن العمل بشكل أسهل. بفضل هذه الجهود في الإقليم لم نشهد أي حوادث إرهابية كبيرة في الإقليم منذ نحو 20 شهراً، وهذه كتجربة هي مكافحة الإرهاب فكرياً أي عن طريق التعليم.
ثانياَ: المفاوضات والحوار هي المخرج الواقعي القابل للتطبيق، والاستقرار المتمخض عن الحرب والمعارك استقرار هش، لا يمكن له أن يدوم أو يبقى إلا عن طريق الحوار والمفاوضات، ويجب في هذه العملية حماية سيادة سورية واستقلالها ووحدة أراضيها، وكذلك حماية موقع الشعب السوري كسيد لهذا العملية، وعن الحل السياسي أعتقد أن أهم مبدأ هو حماية سيادة سورية واستقلالها ووحدة أراضيها، ويحق للشعب السوري أن يقرر مصيره. ويجب إطلاق دور الأمم المتحدة كقناة رئيسية للبحث عن الخطة التي تأخذ بالحسبان مصالح جميع الأطراف وتتفق مع الواقع.
ثالثاً: استمرت الأزمة 8 سنوات، في هذه الظروف عملية إعادة الإعمار والمصالحة الوطنية ليست بالأمر السهل، وهذا يحتاج إلى جهود دؤوبة من الحكومة السورية من ناحية، وإلى مشاركة نشطة من المجتمع الدولي من الناحية الأخرى.
رابعاً: حول مسألة اللاجئين، أرى أن هؤلاء ليسوا الجناة ولديهم بالتأكيد الرغبة في العودة إلى بيوتهم، ويجب اتخاذ إجراءات متكاملة لحل هذه المشكلة. أولاً بتقديم المساعدات الإنسانية لهم وثانياً بإزالة الأسباب التي تؤدي إلى المشكلة.
خامساً: عن النموذج الصيني في التنمية، الصين لا تستورد نمطاً أجنبياً وكذلك لا تصدر النمط الصيني إلى الخارج، أهم شيء هو تبلور النموذج وفق الخصوصية الصينية، ونقدم هذا النموذج للأصدقاء الأجانب ليس بهدف استنساخه، بل نقدمه ومعه حتى بعض دروسنا الفاشلة كي يستفيد بعضنا من بعض. الأصدقاء في منطقة الشرق الأوسط يدركون هذه المسألة أكثر من غيرهم، لأنهم تعرضوا في السنوات الأخيرة لاضطرابات وحروب كثيرة، وأعتقد أن سببها هو محاولة الدول الغربية فرض نمطها وطريقتها ونظامها على دول المنطقة. هذا النمط لا يتفق مع خصوصية منطقة الشرق الأوسط. يجب على شعوب المنطقة أن تختار طريق التنمية المتفق مع خصوصية بلدانهم.
سادساً حققت الصين في السنوات الأخيرة إنجازات كبيرة لكنها في الوقت ذاته تعاني من مشاكل، كالفجوة بين المناطق الشرقية والغربية، وقد فكرنا كثيراً لإيجاد حلٍّ لهذه المشكلة بما فيها طرح إستراتيجية التنمية الكبرى في غرب الصين، وتبني إستراتيجية وطنية لمكافحة الفقر. بفضل سياسة الإصلاح والانفتاح قبل أكثر من 40 سنة نجحت الصين بإخراج أكثر من 700 مليون فقير من حالة الفقر، ولم يبق سوى 20 مليون فقير في الصين، ورسم حزبنا خطوات طموحة لتخليص هؤلاء من حالة الفقر بحلول عام 2021، الذكرى المئوية لتأسيس الحزب.
سابعاً: اتخذنا إجراءات هادفة لتشجيع التنمية في المناطق المختلفة، في المناطق ذات الظروف الطبيعية الجيدة نشجع على تنمية قطاعات رعوية أو زراعية، المناطق التي تكثر فيها المعادن نشجع تنمية القطاعات المعدنية، وهكذا.
ثامناً: أدركنا أن غياب التعليم هو أحد أهم أسباب الفقر، لذلك بذلنا جهوداً كبيرة لتعميم التعليم خاصة في المناطق الفقيرة، بما فيه التعليم الأساسي والتعليم المهني، ورسمنا كثيراً من السياسات الميسرة لإقامة المدارس في تلك المناطق.
تاسعاً: الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم وحققنا إنجازات لفتت أنظار العالم في السنوات الأخيرة بفضل سياسة الإصلاح والانفتاح وتبني اقتصاد السوق الاشتراكي، وهناك الكثير من التجارب في هذا المجال لكن أهمها هو التمسك بقيادة الحزب الشيوعي للصين لأنه النواة القيادية القوية للصين، ويضمن تطبيق ورسم السياسات واستمراريتها. الحزب في الصين هو المسؤول عن رسم اتجاه التطور أي عن وضع الخطة، أما الحكومة فهي المسؤولة عن التنفيذ. في المسائل الكبرى يطرح الحزب الآراء والاقتراحات، وتتحول هذه إلى قانون عن طريق المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني، وفي نهاية المطاف تنفذ الحكومة هذه السياسات الحزبية.
عاشراً: عن العلاقة بين الحكومة المركزية والحكومات المحلية، فأهم مبدأ هو أن كل أعضاء الحزب يخضعون لأمر اللجنة المركزية، أي يجب عليهم حماية مكانة النواة القيادية، وحماية مرجعية اللجنة المركزية وقيادتها الموحدة لكل الحزب. يجب على الحكومات المحلية تطبيق القرارات الصادرة عن اللجنة المركزية، لكن يمكنها أن تبادر للتشجيع على تنمية بعض القطاعات وفق مواردها. أما المبدأ الثاني فهو حسن معالجة العلاقات بين الإصلاح والتنمية والاستقرار فالإصلاح هو القوة المحركة، والتنمية هي الهدف والاستقرار هو الأساس. وثالثاً حسن معالجة العلاقة بين الفعالية والعدالة، ويجب تحرير وتطوير القوى الإنتاجية بإجراءات الإصلاح وبنفس الوقت ضمان العدل والعدالة. وأخيراً إيلاء الاهتمام إلى بناء الحزب وخاصة على المستوى القاعدي، وهذا يعني بناء التنظيمات الحزبية في جميع القطاعات والمجالات. وإطلاق دور التنظيمات الحزبية القاعدية في تعميق وإدارة ومراقبة أداء أعضاء الحزب والتعبئة والتنظيم والدعاية لدى الجماهير.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن