سورية

السفير الروسي في سورية ألكسندر يفيموف في مقابلة مع «الوطن»: تأثير العقوبات على سورية كان معاكساً لمخططات خصوم دمشق والاتفاقيات لا تلغي ضرورة مواصلة مكافحة الإرهاب

| حاورته: سيلفا رزوق

اعتبر سفير روسيا في سورية ألكسندر يفيموف أن أهم نتيجة للحملة الانتخابية التي جرت في سورية، ليست فقط إعادة انتخاب الرئيس بشار الأسد لفترة رئاسية جديدة، وإنما التأكيد على أن القائد السوري يحظى بدعم واسع من شعبه، سواء في داخل البلاد أم في الجالية السورية في الخارج، وأيضاً بين الشباب والأجيال الأكبر سناً، بالإضافة إلى المنحدرين من طوائف دينية مختلفة، مشيراً إلى أنه من الواضح أن جميع السوريين التفوا حول رئيسهم، على أمل تحقيق السلام والاستقرار في البلاد.
السفير يفيموف وفي مقابلة مع «الوطن»، أكد أن بلاده تنظر إلى الانتخابات في سورية على أنها شأن سيادي لهذا البلد، وتعتبر التصريحات الصادرة عن العواصم الغربية حول عدم شرعيتها عنصراً من عناصر الضغط السياسي القاسي على دمشق، ومحاولة جديدة للتدخل في الشؤون الداخلية لسورية، وذلك بهدف زعزعة استقرارها، إذ لا يحق لأحد أن يملي على السوريين متى وتحت أي ظروف ينبغي أن ينتخبوا رئيس دولتهم.
يفيموف أكد أن الإجراءات القسرية ضد سورية تتعارض مع الشرعية الدولية، وهي ليست سوى عقاب جماعي بحق الأغلبية العظمى من السوريين، الذين ظلوا موالين لحكومتهم الشرعية، وأضاف: «على ما يبدو، يعوّل خصوم دمشق على إثارة موجة من الاستياء بين المواطنين السوريين لتقويض الوضع في البلاد مرة أخرى، لكن يُمكن القول بثقة أن تأثير العقوبات على سورية كان معاكساً لتلك المخططات، فقد عبّر الشعب عن دعمه الكامل للقيادة السورية برئاسة الرئيس بشار الأسد، ولا يرى المشاكل الحالية إلا بصفتها ثمرة أعمال عدائية من الخارج».
وأشار سفير روسيا في سورية إلى أن التعاون الاقتصادي بين موسكو ودمشق يجري، مع التركيز الخاص على تحقيق الغايات المتعلقة بمساعدة السوريين في التغلب على القضايا الأكثر إلحاحاً في إعادة إعمار البلاد ما بعد الحرب، بالإضافة إلى ضمان استقرار الدولة السورية في مواجهة الضغوط الاقتصادية والسياسية الخارجية، مبيناً أن العمل يستمر لأجل وضع خطط ثنائية جديدة، وقال: «في هذا السياق تُعلّق آمال كبيرة على الاجتماع المقبل للجنة الروسية- السورية المشتركة للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والتقني، والذي قد يعقد في المستقبل القريب».
وبخصوص الوضع في إدلب ومصير التفاهمات مع تركيا، في ظل عدم تطبيقها حتى الآن، اعتبر يفيموف أن بلاده تنطلق من ضرورة الاستمرار في محاربة الإرهاب بشكل حاسم، ومن عدم الجواز وبشكل قاطع لأي محاولات لـ «تبييض» الإرهابيين وانتحالهم لـ»معارضة مسلحة»، مشيراً إلى أن تنفيذ بعض عناصر الاتفاقات الروسية– التركية بشأن إدلب، استغرق وقتاً أطول مما تود بلاده، ومع ذلك فإن العمل مستمر مع الجانب التركي حول هذا الموضوع على مستويات مختلفة، ومن خلال الجهات المعنية مختلفة، مضيفاً في هذا الإطار: «على أي حال نبقى على يقين بأنه مهما تكن الاتفاقيات فإنها لا تلغي ضرورة مواصلة مكافحة الإرهاب دون هوادة، وإعادة الجزء المذكور من أراضي الجمهورية العربية السورية، تحت سيادة الحكومة الشرعية وفي أسرع وقت ممكن».
وحول ما يجري في مناطق شرق الفرات، لفت السفير يفيموف إلى أن موسكو تنطلق من أن الأكراد في سورية هم جزء لا يتجزأ من الشعب السوري، و«لذلك نبدي تأييدنا للحوار بين الأكراد ودمشق، بما في ذلك حول مواضيع ترتيب مستقبلي لوطنهم المشترك»، مؤكداً أن الأمور في هذا المجال ستكون أفضل بكثير بعد انسحاب جميع القوات الأجنبية الموجودة في سورية بشكل غير قانوني، وبعد استعادة الحكومة السورية الشرعية سيادتها على كامل التراب الوطني، بما في ذلك منطقة شمال شرق البلاد بطبيعة الحال.
وعبر السفير يفيموف عن ثقته من أن البلدان التي تهتم بإعادة العلاقات مع سورية وتطويرها عددها أكبر مما نراه الآن، وعندما يحين الوقت سيعلنون عن أنفسهم وبلاده سترحب بذلك، مبيناً أنه بالنسبة للعالم العربي فإن روسيا على يقين بأن عودة سورية إلى «البيت العربي» ستفيد منطقة الشرق الأوسط بأكملها، وستلعب دوراً مفيداً للغاية في تجاوز الأزمة السورية وحل القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي نتجت عنها.
وبيّن يفيموف أن بلاده قامت بتزويد سورية بلقاح (Sputnik-V)، وهي ستستمر بذلك كاشفاً عن أن أول شحنات اللقاح تم توفيرها لسورية، حتى عندما لم نكن قد أنتجنا كميات كافية منها لتلبية احتياجاتنا في روسيا.

وفيما يلي نص المقابلة كاملة:

أبدأ من الحدث الأهم الذي تعيشه سورية وهو إعادة انتخاب الرئيس بشار الأسد رئيساً للجمهورية العربية السورية، الرئيس فلاديمير بوتين كان من أوائل الرؤساء الذين قدموا التهاني للرئيس الأسد كيف قرأت روسيا ما جرى في سورية خلال الأسابيع الماضية والمشاركة الكبيرة للسوريين في الداخل والخارج في هذه الانتخابات؟

في رأيي، إن أهم نتيجة للحملة الانتخابية التي جرت في سورية ليست فقط إعادة انتخاب السيد بشار الأسد لفترة رئاسية جديدة، ولكن قبل كل شيء هي التأكيد على أن القائد السوري يحظى بدعم واسع من شعبه، سواء في داخل البلاد أم في الجالية السورية في الخارج، وأيضاً بين الشباب والأجيال الأكبر سناً، بالإضافة إلى المنحدرين من طوائف دينية مختلفة، ومن الواضح أن جميع السوريين التفوا حول رئيسهم على أمل تحقيق السلام والاستقرار في البلاد.

والحقيقة أن إدلاء السيد الرئيس بشار الأسد مع السيدة الأولى بصوتيهما والتحدث مع المواطنين في مركز الاقتراع بمدينة دوما ترك انطباعاً قوياً، حيث إن هذه المدينة وحتى وقت قريب بقيت معقل للمعارضة المتطرفة، ويسعدنا أن نشاهد اليوم سكان دوما يتحدثون في جوٍ حُر وودي مع رئيس بلدهم، الذي وُجّهت وتحت قيادته ضربة حاسمة للإرهاب الدولي.

بالمناسبة، استطاع وفد المراقبين من روسيا المؤلف من أعضاء المجلس الفيدرالي ومجلس الدوما والغرفة المدنية في روسيا الاتحادية، أن يروا وأن يشعروا بالحماسة الحقيقية التي لدى السوريون الذين كانوا يأتون إلى مراكز الاقتراع من الصباح الباكر، وحتى وقت متأخر من الليل، وأود أن أؤكد بشكلٍ خاص أن روسيا تنظر إلى الانتخابات في سورية على أنها شأن سيادي لهذا البلد، وتعتبر التصريحات الصادرة عن العواصم الغربية حول عدم شرعيتها عنصراً من عناصر الضغط السياسي القاسي على دمشق، ومحاولة جديدة للتدخل في الشؤون الداخلية لسورية، وذلك بهدف زعزعة استقرارها، ولا يحق لأحد أن يملي على السوريين متى وتحت أي ظروف ينبغي أن ينتخبوا رئيس دولتهم.

وأُهنئ الشعب السوري بخالص التهاني، على نجاحه في إجراء الانتخابات الرئاسية في ظل الظروف الحالية الصعبة للغاية، كما أضمُّ صوتي إلى كلام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن نتائج التصويت أكدت بشكل كامل أن الرئيس بشار الأسد يتمتع بالسمعة العالية وثقة المواطنين السوريين في المسيرة تحت قيادته، الرامية إلى استقرار الوضع في البلاد في أقرب وقت ممكن وتقوية مؤسسات الدولة.

الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لم يسمعوا بأصداء ما جرى في سورية حتى الآن وأصدروا بيانات ترفض نتائج الانتخابات، كما مدّد الاتحاد الأوروبي عقوباته على سورية لعام إضافي مثل هذه التحركات الغربية كيف تنظر لها موسكو؟

إن الإجراءات القسرية الأحادية الجانب التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على سورية غير قانونية، كما أنها تحمل طابعاً غير إنساني وهي مُدمّرة للاقتصاد السوري، والمواطن السوري العادي يُعاني من العقوبات الغربية بشكل مباشر، مهما حاولت الدول الغربية أن تنفي ذلك أو أن تبرر هذه الإجراءات بحق سورية، كما أنه في ظل جائحة «كورونا» أصبحت عواقب هذه الإجراءات القسرية والتي تؤثر على الشعب السوري، أكثر وضوحاً، فاليوم نسمع المزيد من الأصوات لصالح تخفيفها أو رفعها بالكامل، وهذا هو بالضبط موقف روسيا وعدد من الدول الأخرى، كما أننا لسنا وحدنا – فهيئة الأمم المتحدة بالإضافة إلى المنظمات غير الحكومية المختلفة التي تقدم مساعدات لسورية المنكوبة بالحرب، تُدرك كذلك أن القيود من قبل الدول الغربية المفروضة على سورية تُعرقل تنفيذ الأنشطة الإنسانية، وأنّ ما يسمى بـ«الامتيازات الإنسانية» غير كافية وغير فعّالة.

في الحقيقة استبدلت الأطراف المعروفة مخططاتها الفاشلة للإطاحة بالسلطات الشرعية في سورية من خلال الوسائل العسكرية، بمحاولات خنق البلاد اقتصادياً، وذلك لغرض منع سورية من العودة إلى الحياة السلمية وعزلها عن العالم الخارجي، وحرمانها من الموارد اللازمة لإعادة الإعمار والتطور الطبيعي، وفي الوقت نفسه نرى أن المناطق السورية التي تقع خارج سيطرة الدولة السورية تجد نفسها خارج دائرة أي قيود أوروبية أو أميركية، وتتلقى كل ما تحتاج إليه من الدعم والمساعدة من قبل رعاتها الأجانب، وهذا على الرغم من أنه في الواقع يكون هناك عدد أقل بكثير من الناس الذين يحتاجون بالفعل إلى المساعدة مقارنة ببقية مناطق سورية.

هذا التصرف الانتقائي لمنح المساعدات الإنسانية يتناقض بشكل مباشر مع المبادئ الدولية للنزاهة والحياد للعمل الإنساني، وهو خير دليل على أن الإجراءات القسرية ضد سورية تتعارض مع الشرعية الدولية، وهي ليست سوى عقاب جماعي بحق الأغلبية العظمى من السوريين الذين ظلوا موالين لحكومتهم الشرعية.

وعلى ما يبدو، يعوّل خصوم دمشق على إثارة موجة من الاستياء بين المواطنين السوريين لتقويض الوضع في البلاد مرة أخرى، لكن يُمكن القول بثقة أن تأثير العقوبات على سورية كان معاكساً لتلك المخططات، فقد عبّر الشعب عن دعمه الكامل للقيادة السورية برئاسة السيد الرئيس بشار الأسد، ولا يرى المشاكل الحالية إلا بصفتها ثمرة أعمال عدائية من الخارج.

كانت لك تصريحات سيد يفيموف في شباط الفائت على ما أظن حول الوضع الاقتصادي في سورية وانعكاس الإجراءات القسرية الغربية على الواقع المعيشي في سورية ووصفت هذا الواقع بأنه الأصعب وتحدثت عن وضع خطط جديدة روسية- سورية مشتركة للتغلب على هذه الصعوبات، أين أصبحت هذه الخطط، وماذا عن الاجتماع المرتقب للجنة السورية- الروسية الدائمة المشتركة للتعاون التجاري والاقتصادي والتقني والعلمي والتي تأجل انعقادها عدة مرات؟

إننا في روسيا، وأكثر من أي أحد، نتفهم ونتعاطف مع الشعب السوري الذي عانى مثل هذه التجارب القاسية، ونحن بأنفسنا كان علينا التغلب على العواقب الوخيمة للحروب، وحتى إعادة بناء بعض مدن روسية بالكامل، وشهدنا العيش في ظروف العُزلة الخارجية، وفي الوقت الحالي روسيا هي أيضاً تحت وطأة العقوبات الأجنبية، ولكننا نجد القدرة ليس فقط للتطور والمضي قُدماً، وكذلك لمُساعدة أصدقائنا، وسورية هي صديق تاريخي لروسيا.

لقد تحدثتُ بالفعل أكثر من مرة عن المجالات والأنواع المختلفة للمساعدة التي تقدمها روسيا لسورية، وأريد أن أشدّد على الشيء الأساسي هنا، وأقصد أن التعاون الاقتصادي بين موسكو ودمشق يجري، مع التركيز الخاص على تحقيق الغايات المتعلقة بمساعدة السوريين في التغلب على القضايا الأكثر إلحاحاً في إعادة إعمار البلاد، ما بعد الحرب بالإضافة إلى ضمان استقرار الدولة السورية في مواجهة الضغوط الاقتصادية والسياسية الخارجية.

فعلى الرغم من جميع القيود بسبب العقوبات والتي تعاني منها في سورية الشركات الروسية أيضاً، بالإضافة إلى التحديات المرتبطة بوباء (COVID-19)، يستمر تنفيذ المشاريع الثنائية الواسعة النطاق في مختلف قطاعات الاقتصاد السوري، كما يتم تقديم الإمدادات المهمة بالنسبة للجانب السوري، فعلى سبيل المثال منذ شهر آذار (2021) وصل بالفعل (350) ألف طن من القمح الروسي إلى سورية، ولا تتوقف الاتصالات بين الجهات المختصة في البلدين، وكما تعلمون شارك الوفد السوري برئاسة وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية سامر الخليل في منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي في بداية شهر حزيران الجاري.

كما يستمر العمل لأجل وضع خطط ثنائية جديدة، وفي هذا السياق تُعلق آمال كبيرة على الاجتماع المقبل للجنة الروسية السورية المشتركة للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والتقني، والذي قد يعقد في المستقبل القريب.

الرئيس بوتين تحدث في برقيته للرئيس الأسد عن مواصلة روسيا دعمها لسورية في مواجهة التطرف وهنا أود التساؤل حول مصير اتفاق موسكو الخاص بمناطق خفض التصعيد، والذي لم يطبق حتى الآن، فالإرهابيون لايزالون موجودين في إدلب كما أن الجانب التركي الذي عزّز وجوده داخل الأراضي السورية لم يطبّق ما عليه من التزامات؟ هل ستبقى آلية التعاطي مع هذا الملف على ما هي عليه، أم ‘نه من الممكن رؤية خطوات ميدانية عسكرية سورية- روسية مشتركة لمواصلة محاربة الإرهاب، واستعادة ما تبقى من الأراضي السورية؟

تتواصل العمليات القتالية ضد الإرهابيين في سورية بشكل نشط، ويتمّ التركيز الآن على المناطق الصحراوية في شرق البلاد، حيث ينجح الجيش السوري هناك وبدعم من القوات الجوية – الفضائية الروسية، في القضاء على تجمعات الإرهابيين، وتدمير مستودعاتهم من أسلحة ومتفجرات التي كان من المحتمل استخدامها من قبل الإرهابيين لتنفيذ عمليات إرهابية ضد المواطنين السوريين المدنيين.

كما تُتخذ إجراءات لمواجهة الإرهابيين من «هيئة تحرير الشام» وغيرها من المنظمات الإرهابية حسب تصنيف الأمم المتحدة، والتي تحصّنت في «جيب إدلب» في شمال غرب سورية، نحن ننطلق من ضرورة الاستمرار في محاربتهم بشكل حاسم، ومن عدم الجواز وبشكل قاطع لأي محاولات لـ«تبييض» الإرهابيين وانتحالهم لـ«معارضة مسلحة».

أودّ أن أذكر بأن الاتفاقات الروسية– التركية بشأن إدلب والتي تمّ التوصل إليها على مستوى القمة في موسكو في شهر آذار عام (2020) سمحت بتثبيت ما تم من تحرير الجيش السوري وبدعم من القوات الجوية والفضائية الروسية للأراضي الواسعة في شمال غرب سورية بالإضافة إلى حماية سكانها وسكان المناطق المجاورة من الإرهابيين «جيب إدلب».

ومن المعروف أن تنفيذ بعض العناصر من تلك الاتفاقات استغرق وقتاً أطول مما نود، ومع ذلك فإننا نستمر بالعمل مع الجانب التركي حول هذا الموضوع على مستويات مختلفة، ومن خلال الجهات المعنية المختلفة، وعلى أي حال نبقى على يقين بأنه مهما تكن الاتفاقيات فإنها لا تلغي ضرورة مواصلة مكافحة الإرهاب دون هوادة، وإعادة الجزء المذكور من أراضي الجمهورية العربية السورية، تحت سيادة الحكومة الشرعية وفي أسرع وقت ممكن.

وبفضل اتفاقاتنا الثلاثية مع كل من أنقرة وطهران، تمّ إنشاء الآلية الأكثر قابلية للعمل والخاصة بالمتابعة الخارجية للأزمة السورية وهي صيغة «أستانا»، والتي لا تزال قائمة حتى الآن، وبعد توقف لمدة نحو عام بسبب قيود الحجر الصحي استضافت مدينة سوتشي الروسية في شهر شباط الفائت، الاجتماع الدولي الـ15 حول سورية بصيغة أستانا، وجدّد بيانها الختامي تأكيد التزام الدول الثلاث الراسخ بسيادة واستقلال وسلامة أراضي الجمهورية العربية السورية بالإضافة إلى التعبير عن عزمهم على محاربة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره، كما يجري التحضير لعقد الاجتماع المقبل الـ16 بصيغة أستانا.

منطقة أخرى أودُّ التساؤل حولها وهي مناطق شرق الفرات والتي تشهد حراكاً كبيراً مناهضاً لقسد، سبق لروسيا ولعبت دور الوسيط في الحوار بين «قسد» والحكومة السورية بعدها توقف هذا الحراك، هل من تحرك روسي قريب في هذا الملف؟ وهل تتوقعون أي استجابة من قِبل «قسد» التي لا تزال تُعول على الوجود الأميركي غير الشرعي على الأراضي السورية؟

تتابع موسكو بكل اهتمام التطورات في مناطق شرق الفرات، ونستمر في المساهمة بتهدئة الوضع في شمال شرق سورية، وعلى وجه الخصوص في شهري كانون الثاني ونيسان عام (2021)، نجحت الجهود في التعاون المباشر مع العسكريين الروس لاستقرار الوضع وإطفاء حالات التوتر في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد.

وتنطلق موسكو من أن الأكراد في سورية هم جزء لا يتجزأ من الشعب السوري، ولذلك نبدي تأييدنا للحوار بين الأكراد ودمشق، بما في ذلك حول مواضيع ترتيب مستقبلي لوطنهم المشترك، وليس سراً أن بلادنا ومن خلال قنوات مختلفة ساعدت على إقامة وتحقيق الاتصالات ما بين الحكومة السورية و«الإدارة الكردية»، والجدير بالإشارة أن جهود الوساطة الروسية تحظى بالتقدير من كلا الطرفين، وأنا متأكد من أن الأمور في هذا المجال ستكون أفضل بكثير بعد انسحاب جميع القوات الأجنبية الموجودة في سورية بشكل غير قانوني، وبعد استعادة الحكومة السورية الشرعية سيادتها على كامل التراب الوطني، بما في ذلك منطقة شمال شرق البلاد بطبيعة الحال.

الحكومة السورية على لسان وزير الخارجية فيصل المقداد أعربت عن ترحيبها بأي مبادرة لاستعادة العلاقات مع الدول العربية وسبق لموسكو أن لعبت دوراً على هذا الصعيد ووصف الوزير سيرغي لافروف عودة سورية للجامعة العربية بأنها ستنعكس إيجابياً على الظروف في الشرق الأوسط.. هل تعتقد موسكو أن الظروف الإقليمية والدولية بدأت تنضج باتجاه تحرك عربي صوب دمشق وربما تحرك دولي مواز أيضاً؟

على الرغم من محاولات عزل دمشق سياسياً ودبلوماسياً من جانب بعض الدول الغربية، فقد بدأ الوضع الدولي حول سورية يتغير بشكل ملحوظ مؤخراً وذلك نحو الأفضل فعلاً.

ومن له عينان فليبصر! وفي كثير من دول العالم أبصروا فعلاً الوجه الحقيقي للإرهاب الذي كان يهدد بالسيطرة على سورية تحت ستار وشعار «ثورة الشعب»، وبدعم ممن يُسمّون أنفسهم بـ«أصدقاء سورية»، واستطاعت سورية وبالاعتماد على التأييد من أصدقائها وحلفائها الحقيقيين –وروسيا قبل كل شيء– أن تصمد في المعركة الصعبة للغاية ضد الإرهاب الدولي وفي منع انتشار هذا الشر إلى دولٍ أخرى في المنطقة، وخلال سنوات الحرب على سورية أظهر الرئيس بشار الأسد نفسه كقائد وطني حقيقي وقادر على توحيد وقيادة الشعب السوري بأسره والدفاع عن مصالحه على الساحة الدولية.

وعلاوة على ذلك أصبحت روسيا وسورية وشركاؤنا في الرأي الآخرين مثالاً قوياً بشأن أنه من الممكن ومن الضروري مقاومة إملاءات تلك القوى، التي تحاول تدمير النظام العالمي القائم، والتشكيك في مبادئ القانون الدولي الثابتة، وإعادة تركيب الشرق الأوسط وفق الأنماط ومعاييرها الخاصة.

كل ذلك لم يمُر من دون أن يلاحظه العديد من البلدان الأُخرى، سواء في المنطقة أم العالم، فخلال العامين المنصرمين استأنفت البعثات الدبلوماسية لعدة دول عملها في دمشق ومن بينها الدول العربية، كما أن بعض الدول رفَعت مُستوى تمثيلها الدبلوماسي مِن القائم بالأعمال إلى السفير. وأنا واثق من أنه بالحقيقة البلدان التي تهتم بإعادة العلاقات مع سورية وتطويرها عددها حتى أكبر مما نراه الآن، وعندما يحين الوقت سيعلنون عن أنفسهم ونحن بدورنا سنرحب بذلك.

أما بالنسبة للعالم العربي فإن روسيا على يقين بأن عودة سورية إلى «البيت العربي» ستفيد منطقة الشرق الأوسط بأكملها، وستلعب دوراً مفيداً للغاية في تجاوز الأزمة السورية وحل القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي نتجت عنها.

سُؤالي الأخير حول لُقاح (سبوتنيك V) الروسي المُضاد لفيروس كورونا.. سورية أعلنت في وقت سابق عن تَسلمها دفعة من هذا اللقاح كما أعلنت وزارة الصحة السورية أنها تلقت تعهداً من الجانب الروسي بتزويدها بجرعات إضافية هل وصلت كامل هذه الدفعات وماذا عن التعاون بين الجانبين في هذا الإطار؟

منذ بداية جائحة (COVID-19) لم نترك سورية الصديقة لوحدها في مواجهة هذه الكارثة، فخلال عام (2020)، تم إمداد سورية بأنظمة الاختبار المختصة بالإضافة إلى المستلزمات الوقائية والمطهرات وأجهزة التنفس الاصطناعي من روسيا.

كما تمّ تزويد سورية بلقاح (Sputnik-V) وسنستمر بذلك آخذاً بعين الاعتبار احتياجات الأصدقاء السوريين وإمكانيات إنتاج هذا الدواء في روسيا التي كذلك تحتاج اليوم إلى اللقاح وبدرجة كبيرة جداً. وبهذه المناسبة اسمحوا لي أن أذكِّركم بأن أولى شحنات اللقاح (Sputnik-V) تم توفيرها لسورية حتى عندما لم نكن قد أنتجنا كميات كافية منها لتلبية احتياجاتنا في روسيا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن