قضايا وآراء

الاستثمار في الأزمات والمبادرات الشجاعة

| الدكتور قحطان السيوفي

يواجه العالم أزمات وكوارث طبيعية وأوبئة وحروب وصراعات عنيفة وأزمات مالية، تصيب البلدان الغنية والفقيرة على حد سواء، وتترك آثاراً مؤلمة ومدمرة، وخاصة على أكثر فئات السكان ضعفاً. وهذه الأزمات يمكن أن تودي بحياة الملايين وتكبد العالم خسائر اقتصادية هائلة.
خلال أوقات الأزمات والحروب، يعلو ضجيج الصعوبات وتخفت أصوات المصانع، ويقلّ المال، ويتراجع السعي نحو الرفاهية خلف أولويات النجاة بالحياة، ويبقى في أرض الوطن الناس الوطنيون الصامدون يكافحون من أجل استبقاء الحياة والتشبث بالوطن والبحث بشجاعة وحكمة عن استثمارات وطنية مناسبة، بالمقابل من لا يتمسكون بوطنهم يرون أن الاستثمار الأمثل للمال وقت الحرب هو أن يهربوا بأموالهم خارج البلاد، بلا رجعة محتملة.
نعم توفر الأزمات فرصاً للاستثمار، فالتغيرات التكنولوجية والاجتماعية والطبية، فضلاً عن الانفجار في التجارة عبر الإنترنت خلال الأزمات، له تأثير في «تعجيل» التحول إلى التكنولوجيات الرقمية.
بعد قطاعات الإعلام والاتصالات والتجارة الإلكترونية في العقدين الماضيين، جاء دور بيئات المكاتب والتعليم والرعاية الصحية، بالمقابل يبدو أن الأزمات قد تعجّل بثورة الطاقة الخضراء. وصلنا إلى نقطة أصبحت فيها الطاقة المتجددة أرخص من المصادر القائمة على الكربون، والمركبات الكهربائية أفضل من السيارات التقليدية، وللاستثمار العام دور محوري في الأزمات، فزيادة الاستثمار العام في الاقتصادات المتقدمة واقتصادات الأسواق الصاعدة يمكن أن تساعد على انتشال النشاط الاقتصادي من الانهيار، وإيجاد ملايين الوظائف، فزيادة الاستثمار العام بنسبة 1 بالمئة من إجمالي الناتج العالمي يمكن أن تعزز الثقة في التعافي وترفع إجمالي الناتج المحلي بنسبة 2.7 بالمئة، والاستثمار الخاص بنسبة 10 بالمئة، والتوظيف بنسبة 1.2 بالمئة.
الاستثمار يشكل حاجة ملحة في قطاعات أساسية مثل الرعاية الصحية والمدارس والمباني والمواصلات والبنية التحتية الرقمية.
ويمكن أن يسهم الاستثمار العام في الأزمات بالتعافي، مع إمكانية توليد ما يراوح بين وظيفتين وثماني وظائف بشكل مباشر مقابل كل مليون دولار من الإنفاق على البنية التحتية التقليدية، وما يراوح بين خمس وظائف و14 وظيفة مقابل كل مليون دولار من الإنفاق على البحوث والتطوير، والكهرباء الخضراء والمباني.
يعد الاستثمار في التكيف مع تغير المناخ أمراً حيوياً، وخاصة في الدول المعرضة للفيضانات وموجات الجفاف.
الحوكمة في مشروعات البنية التحتية يمكن أن تضع نهاية للهدر في الاستثمار العام الذي يدعم ثقة مستثمري القطاع الخاص في التعافي ويحفزهم على الاستثمار بصورة مباشرة وإقامة مشاريع جديدة.
الخروج من الأزمات وبأسرع وقت ممكن، يحتاج إلى مستوى عال من التعاون العالمي، فالتحديات العالمية تحتاج إلى حلول عالمية.
يجب أن تعمل المنظمات الدولية الإنسانية والإنمائية لمنع الأزمات، والحد من وقوعها، ومساعدة البلدان على التخفيف من المخاطر متعددة الأبعاد قبل أن تستفحل وتتحول إلى أزمات واسعة النطاق من خلال، دمج إجراءات الوقاية والاستعداد في الإستراتيجيات الإنمائية للبلدان، فالوقاية من الأزمة أفضل استثمار لمنع الكوارث قبل أن يتسع نطاقها ويوفر كل دولار يستثمر في الوقاية نحو 16 دولاراً فيما بعد.
خلال أزمة كورونا تحملت الشركات قدراً هائلاً من الديون الإضافية، بينما أغلقت الشركات في القطاعات المتضررة، وفقد الناس وظائفهم واتخذت الحكومات إجراءات استثنائية لمواجهة أزمة كورونا، بينما يستمر تركيزها على التعامل مع الطوارئ الصحية وتقديم الإمدادات الحيوية اللازمة للأسر ومؤسسات الأعمال.
في أوقات الأزمات، عادة يكون أصحاب رؤوس الأموال جبناء، لكن هناك إستراتيجيات يستطيع من خلالها المستثمرون الوطنيون استثمار ثرواتهم وقت الأزمات لجلب فرص استثمارية.
ثمة تساؤلات: هل هناك أفكار جديدة من شأنها أن تساعد المستثمر الوطني على الخروج من الأزمة أقوى، وهناك فرص نجاح لهؤلاء الذين قرروا البقاء في استثمار أموالهم بالداخل وقت الحروب والأزمات.
إجابات مبسطة تساعد على الخروج من الأزمة:
1 – اغتنم الفرصة؛ في الأزمات يمكن شراء الشركة المتعثرة وهي في الأساس جيدة وستعاود النهوض على الأغلب.
2- لا تضع كل البيض في سلة واحدة؛ وهذا يعني أنك لضمان استثمار ناجح يجب عدم وضع كل رؤوس الأموال في استثمار واحد وتنويع مجالات الاستثمار ما يكفل حماية الاستثمار عند الأزمات.
3- اعمل وفق خطة مدروسة، ومبنية على فهم كامل لأحوال السوق، والمتابعة وتعديل الخطة عند الضرورة وفقاً للمستجدات.
4- من المفيد التفكير في الاستثمار بتجارة المواد الأساسية والأولية، ففي الحرب يتنازل الأفراد عن احتياجاتهم من الكماليات، ويكون تصنيع وتجارة المواد الأساسية والغذائية الأكثر أمناً.
5- يجب عدم التفكير في استخدام مدخرات العائلة الاحتياطية كرأسمال للاستثمار فهذا قد يعرض عائلتك للأزمات المادية، وحينها قد تحصل على استثمار ناجح، ولكن قد تضر بالاستثمار الحقيقي وهو العائلة.
والخلاصة هي أن الاستثمار العام والخاص عنصر قوي في الإجراءات التنشيطية للحد من التداعيات الاقتصادية الناجمة عن الأزمات، وبينما تواصل الدول إنقاذ الأرواح والأرزاق، يمكنها وضع الأساس للاستثمار في أنشطة غنية بالوظائف، وعالية الإنتاجية، وأكثر مراعاة للبيئة بالنسبة لسورية، وأدت الحرب الإرهابية الكونية على سورية لتدمير جزء كبير من الصناعات والبنى التحتية، ووفقاً لإحصائيات هيئة الاستثمار السورية، فمن بداية الأزمة فقدت البلاد مليارات الدولارات من الاستثمار الأجنبي المباشر، إضافة إلى هروب أكتر من 60 بالمئة من رجال الأعمال، لكن صمود سورية شعباً ودولة، سمح بإعادة تأهيل الكثير من المنشآت الإنتاجية والخدمية والبدء باستثمارات جديدة في ظل الأزمة والمناطق الصناعية السورية المتعددة شاهد على ذلك.
وعادة تؤثر الأزمات سلباً في الأنشطة الاقتصادية لكن المبادرات البناءة الشجاعة والوطنية للسوريين، تُمكن من إيجاد أفكار جديدة تتناسب وطبيعة الأزمة وتساعد على تطوير الاستثمارات، وفي هذا السياق صدر قانون الاستثمار الجديد في سورية لعام 2021 كحافز لجذب الاستثمارات، ونأمل من المعنيين الاستفادة من الأفكار الواردة في هذا المقال.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن