من دفتر الوطن

سبقوا زمنهم

| عصام داري

نجاح الأدب والشعر والفن يرتبط بما يقدمه للجمهور، والتجديد في التعاطي مع المواضيع التي يطرحها، والجماهيرية الكبيرة للرحابنة وفيروز تنبع من هذه الخصوصية للتجربة الرحبانية التي بدأت منذ أواسط القرن العشرين الماضي.
في لقاء تلفزيوني قال الموسيقار محمد عبد الوهاب عن الرحابنة سبقوا زمانهم، وهو يقصد بالطبع التطوير في الجمل الموسيقية، لكنهم سبقوا زمانهم بأشياء أخرى عديدة في مقدمتها أنهم نزلوا إلى الشارع وتحدثوا بلسان الناس الأكثر التصاقاً بالأرض: ماسح الأحذية (مسرحية لولو) والمتسول واللص ومدمن الكحول (مسرحية المحطة) والحارس (فيلم بنت الحارس) والباعة بمختلف صنوف عملهم من بياعة البندورة إلى صاحب دكان الضيعة الذي يبيع كل شيء تقريباً من اللحم والفحم وأقلام الرصاص والدفاتر(اسكيتش الإسوارة).
لكن ذلك ليس كل شيء في التجربة الرحبانية، إذ إنهم عالجوا معظم- إن لم نقل كل القضايا السياسية والاجتماعية، ليس في لبنان فحسب، وإنما على المستوى العربي.
منذ سنتين أو أكثر قليلاً أنتج التلفزيون العربي السوري فيلماً وثائقياً عن الشام والرحابنة شارك فيه الموسيقار المايسترو أمين خياط، وكان لي الشرف في أن كنت من بين المشاركين فيه.
مما قلته في هذا الفيلم يتعلق بالكلمة واللحن بشكل أساسي، فلا خلاف بتاتاً على الصوت الملائكي للسيدة فيروز، وأشرت إلى أن ما توفر لفيروز نادراً ما يتوفر لمطربة واحدة، فمن شعراء الأغنية حصلت على العديد من الأغاني من العملاق سعيد عقل وميشيل طراد وجوزيف حرب والكثيرين غيرهم، إضافة إلى جبران خليل جبران ونزار قباني(أغنيتان) وحتى من عنترة بن شداد وبعض الأغاني من الشعر الأندلسي والعراقي القديم (زمن الدولة العباسية) ولا مجال للإفاضة أكثر من ذلك.
أما الموسيقا التي حركت صوت فيروز فقد أتت من الأخوين رحباني بالدرجة الأولى، ومن ثم من عدد من الملحنين اللبنانيين وفي مقدمتهم فيلمون وهبي، وحليم الرومي وزكي ناصيف، وقلة من الملحنين العرب فلحن لها محمد عبد الوهاب ثلاث أغانٍ، أما الملحن محمد محسن (الناشف) فقد لحن لها خمس أغنيات تميزت بلون الموشحات.
إضافة إلى كل ذلك حصلت فيروز والرحابنة على منابر سوّقتهم إلى العالم، ومن الأمور التي يجب التوقف عندها هي أن إذاعة دمشق كان لها الفضل الأكبر في انتشار فيروز عربياً انطلاقاً من عام 1953 عندما بثت أغنية عتاب التي سجلت أولاً في الإذاعة اللبنانية عام 1952، لكنها لم تشتهر إلا من خلال إذاعة دمشق التي تبنت فيروز، وكان لمدير الإذاعة آنذاك الأمير يحيى الشهابي الفضل في ذلك.
وفي دمشق، ومن على خشبة مسرح معرض دمشق الدولي، قدم الأخوان رحباني العديد من مسرحياتهم التي سبقت زمانها هي الأخرى:من تلك المسرحيات نذكر: لولو، المحطة، صح النوم، ميس الريم، جسر القمر، بيترا وغيرها.
أما في السينما فلم تقدم سوى ثلاثة أفلام (سفر برلك) و(بنت الحارس) وحوّل الأخوان رحباني مسرحية (بياع الخواتم) إلى فيلم أسند إخراجه إلى الراحل يوسف شاهين.
لقد سبق (الأخوان رحباني) زمانهم بمراحل، وكان ذلك من حسن حظ أصحاب الزمن الجميل وما تلاه من أزمان وأجيال.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن