ثقافة وفن

حكاية من قش لم تشعلها نار «الكندوش» وسوبر مان الأسطح مازال طليقاً

| خلدون عليا

خلافاً للضجة الإعلامية التي أثيرت حوله خلال التصوير وما تم تداوله من الشركة المنتجة ومن صنّاع العمل على أننا سنكون على موعد مع مسلسل مختلف عن كل ما شاهدناه في دراما البيئة الشامية ومع مسلسل جديد سيكسر كل قواعد الحكايات الشامية جاء مسلسل الكندوش «باهتاً» بعيداً كل البعد عن التصريحات التي أثيرت حوله، فلا قصة نراها ولا قواعد جديدة يتكئ عليها.. كل ما في الأمر.. كاميرا تدور بين البيوت الدمشقية والحارة باحثة عن حدث ترصده هنا أو مشروع حكاية هناك.

وعلى الرغم من الفشل الجماهيري الذي مني به المسلسل إلا أن إصرار البعض على عبارة أنه لم يستخدم العبارات الشامية التقليدية والخناجر والشوارب وما شابه ليس له أي مبرر فحتى المسلسلات الشامية التي عرضت في رمضان الماضي من حارة القبة إلى سوق الحرير لم تتكئ على هذا الجانب وكانت بعيدة عنه ولكنها كانت تحمل حكاية تستند عليها سواء اتفقنا أم اختلفنا مع جودة هذه الحكاية وطريقة معالجتها درامياً أم اختلفنا.
في الكندوش اختفت الحكاية فعبر أكثر من عشر حلقات صار الأمر مثيراً للضحك والكل يبحث عن «لص» الأسطح المزعوم أو «سوبر مان» الذي لم يتمكن أحد من إلقاء القبض عليه بمعالجة متواضعة درامياً وبحلول كان يمكن البحث عما هو أفضل منها بكثير، فاللص الذكي «شريف» الذي يؤدي دوره «همام رضا» كان من الممكن الإيقاع به بسهولة في أكثر من مناسبة ولكن مشيئة الكاتب أبت ذلك في معالجة تبدو سطحية لأبعد الحدود لم تنفع معها محاولات المخرج التعكيز هنا وهناك على بعض المشاهد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
وعلى صعيد الأداء يبدو «همام رضا» أكثر من يستخدم ما سعى صنّاع العمل إلى نفيه مراراً وتكراراً وهو المصطلحات الشامية المكرسة في مسلسلات البيئة الشامية التقليدية، فيبدو الشاب أنه يحاول أن يصنع من شريف بطلاً ولكن بهفوات تمثيلية وبمحاولة الاتكاء على نبرة صوت باتت باهتة ومكررة ولا جديد فيها، فلم يستطع الشاب أن يصنع من نفسه نجماً رغم أن المعطيات تقول إن هذا الدور بحاجة لممثل أكثر خبرة أو موهبة على الأقل.
على المقلب الآخر وبلحظة تقرر «أم رياض» ( سلاف فواخرجي) أن تحظى بقلب «عزمي بيك» (أيمن زيدان) هكذا دون مقدمات، فعلى الرغم من الإطالة الشديدة في العمل إلا أن صنّاعه لم يفكروا ولو للحظة بإيجاد مبرر درامي يستندون عليه لضخ الدماء في هذه العلاقة ومبرراتها فليس معقولاً أن يصنع المخرج هذا المشهد بأربع أو خمس قطعات لأم رياض وهي تحاول إيقاع رجل بحجم عزمي بيك بجمالها وهو يسقط خائر القوى بعد محاولات يائسة للهروب من نظرة عينيها القاتلتين.
للأمانة يبدو المشهد طفولياً لأبعد الحدود على صعيد الكتابة والإخراج والإيقاع المتهالك نسبياً فبناء هذا النوع من المشاهد لا يحتاج إلى كل تلك الخبرة بل إلى محاولة لرأب صدع النص الذي لا يحتاج إلى شهادات بتدني مستوى جودته بكل تأكيد.
الإيقاع البطيء للعمل والحكاية الغائبة لا يمكن تبرريهما لوجود جزء ثانٍ من المسلسل ليبقى السؤال: ما الذي سيحمله الجزء الثاني بعد أن ابتعد الناس عن المسلسل على مبدأ «بلاها ضياعة الوقت»؟
ليبقى السؤال: أما كان بالإمكان لشركة منتجة وفرت كل مستلزمات النجاح للمسلسل أن تحظى بفرصة أفضل لانطلاقتها الأولى وهل هذا يقودنا إلى أن الفنان الجيد لا يمكن أن يكون منتجاً جيداً؟! فالمنطق يقول إن الفنان أيمن رضا وعلى الرغم من خبرته وجودة أدائه ونجوميته الكبيرة في التمثيل لم يتمكن من اختيار نص جيد على الأقل وليس ممتازاً.
بالمقابل يظهر النجوم أيمن زيدان وصباح الجزائري والشاب هافال حمدي بأداء متزن، فهيبة أيمن تلقي بظلالها فالرجل يعرف جيداً كيف يصنع شخصية من لحم ودم ويحيطها بعناية، فقيمة أيمن زيدان كممثل وكصانع أداء مختلف لا خلاف عليها فحتى مشاهده تحس أنها هاربة من العمل في حين تتكئ صباح على خبرتها في هذا الميدان فتصنع شخصية الزوجة المحبة بكل بساطة ودون تكلف أو محاولة للاستعراض ولا يغفل أحد الرهان على الشاب هافال حمدي ابن الفنان الراحل طلحت حمدي فالشاب يمتلك موهبة كبيرة ومشروع نجم بامتياز.
بالمقابل وكعادتها تأبى شكران مرتجى أن تمر شخصيتها مرور الكرام فتصنع كاركترها الخاص لتقول إن القيمة الفنية لا تصنعها مساحة الأدوار بقدر ما تصنعها براعة الممثل في تقديم الجديد والمختلف وصنع الفرق من الدور العادي.
باختصار يمكن القول إن مسلسل «الكندوش» يستند إلى حكاية من قش حتى حريق الكندوش وهو المكان الذي يتم وضع القمح في أولى حلقات العمل لم تستطع أن تشعل نيران التشويق أو أن تمد ألسنة اللهب لإشعال قصة حقيقية أو مشروع حكاية يستند عليها المسلسل لجذب الجمهور.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن