بورصة المقابر … باب الصغير والدحداح الأغلى.. وسماسرة يعملون في سوق الموت … مدير دفن الموتى: قبور مجانية في نجها للفقراء
| سارة المقداد
تحوّل الدفنُ في سورية إبان حرب العشر سنوات إلى حالةِ ترف، بعد أن تغيّرت الطقوس السورية خصوصاً الدينية منها المتعلقة بدفن الموتى، والتي غدت أكثر إيلاماً على كل من يحلم بالحصول على قبرٍ في مقابر العاصمة.
ورغم وجود «30 مقبرة موزعة في أنحاء دمشق، إضافة إلى بعض المدافن الخاصة، إلا أن المساحات ممتلئة وتعاني ضغطاً كبيراً، حسب تصريح مدير دفن الموتى في دمشق فراس إبراهيم لـ«الوطن».
الموت غالٍ
ولكن لم تنتهِ عقبات الموت عند محاولة إيجاد قبرٍ عابر لضمان كرامة جسد الميت، فارتفاع أسعار القبور ورسوم دفن الموتى قصم ظهور الأحياء، حيث بيّن إبراهيم أن «تكلفة دفن المتوفي تتراوح بين 29 و45 ألف ليرة سورية متضمنة (الكفن- الصابون- الليف- القطن) وأجور الحفار لفتح القبر والدفن وإيجار السيارة المتضمنة الكادر المختص بالدفن، أما تكلفة دفن الموتى المصابين بفيروس كورونا يضاف لها بدل خدمة، ليبلغ إجمالي نفقاتها 80 ألف ليرة سورية»، أي ما يعادل راتب موظف حكومي، مؤكداً أن تلك الرسوم يستثنى منها الشهيد إذ إن عملية دفن الشهيد مجانية بالكامل، وبما يشمل التخصيص بالقبر إضافة إلى كل متطلبات مراسم الدفن ضمن المقبرتين المخصصتين للشهداء في دمشق.
وحول البدائل في حال عدم توفر المال، أشار إبراهيم إلى وجود قبور مجانية في مقبرة نجها (دمشق الجنوبية) لأي متوفى فقير الحال، يتم فيها التكفين والدفن بشكل مجاني بالكامل، كاشفاً أنه سيتم أيضاً استلام مقبرة جديدة في منطقة عدرا بريف دمشق لمكتب الدفن خلال الأيام القادمة.
وعن تجاوز أسعار القبر الواحد الـ10 ملايين ليرة أحياناً في بعض مقابر دمشق، قال إبراهيم إنه لا علاقة للمحافظة بعمليات البيع، موضحاً أنه وفقاً للقوانين يتم التنازل عن استحقاق الدفن بين الأقارب فقط من خلال مكتب الدفن برسوم رمزية جداً، أما بالنسبة لغير الأقارب فهو غير مسموح «لدينا» ويتم عن طريق القضاء، مرجحاً أسباب البيع إلى قلة القبور.
سماسرة القبور
يبدو أن تجارة الموت باتت مُربحة، «بعد انتشار سماسرة القبور ودخولهم إلى السوق السوداء الخاصة بالأموات»، حسب المحلل الاقتصادي د. عمار يوسف.
وقال يوسف لـ«الوطن»: «توجد مجموعة كاملة من التجار يشترون عشرات القبور، لاستغلال كل مشتر على حسب وضعه المادي، خصوصاً أن القبر في سورية بات بمنزلة عقار، ويتشابه بسلبياته مع أزمة السكن من بيع وشراء وإيجار، مضيفاً: على سبيل التندر يُخشى أن يُطبق مبدأ السعر الرائج على القبور كما طبق على العقارات، حيث تختلف أسعار القبور في العاصمة حسب المقبرة ومكانها، وتعتبر مقبرة «باب الصغير»، القريبة من حي الشاغور، ومقبرة «الدحداح» في شارع بغداد، من أغلى مقابر العاصمة.
حرمة الميت بين الشريعة والقانون
ومع تحول معظم القبور إلى طابقين أو أكثر بسبب الازدحام الشديد، يبدو أن هناكَ من غافلته أشكال القبور المتشابهة، حيث روى أحد ذوي متوفية لـ«الوطن» عن دفن قريبتها بشكلٍ «غير شرعي» فوق جثة غريبة، بسبب التشابه بين قبر جدة المتوفية وقبر آخر، وقالت: «وقت خلصنا دفن لاحظنا المصيبة.. وما بقا فينا نطالعها لبعد 5 سنين.. وممكن يجيبوا شب يدفنوه.. والدفن كله حيصير غلط بغلط»، على حسب تعبيرها.
الأستاذ في جامعة دمشق – كلية الشريعة د. محمد حسان عوض أوضح لـ«الوطن» أنه اتفق الفقهاء على حرمة نبش القبر، لقوله صلى اللـه عليه وسلم: (كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيّاً) رواه أبو داود، وقال اللـه تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) الإسراء/ 70، ومن كرامته ألا يُنبش قبره ولا تُنتهك حرمته، فلا يجوز فتح القبر على الميت، ولكن إذا بُلي الميت تماماً ولم يبق منه شيء، لا لحم ولا عظم وصار تراباً، جاز فتح قبره ودفن غيره فيه (رجل – امرأة)، إن كان ذلك لضرورة أو حاجة، ولكن يراعى أن يكون القبر للرجال ومحارمه، أو للنساء ومحارمها.
وبيّن عوض أن الفترة التي يحتاجها الميت حتى يبلى ليفتح القبر عند الضرورة فتختلف من منطقة إلى أخرى، وكل أهل بلد أدرى بها، مضيفاً: «وفي حال تم فتح القبر ورأى الحفّار أو المختصون بذلك أن الجثة لم تتحلل بعد فواجبٌ عليهم شرعاً إغلاق القبر مباشرة احتراماً لحرمة الميت، لأنه لا يجوز هتك حرمة القبر ولو كان من العائلة ذاتها».
يشار إلى أن القانون السوري يشدد على ملكية القبر بتحديد الأشخاص الذين لديهم أحقية الدفن فيه، ويمنع بيع القبور بالكامل، على حين يسمح بالتنازل عنها ولكن ضمن الورثة الشرعيين، إلا أن المواطنين يبيعونها بين بعضهم خارج إطار المحكمة، ثم يتنازلون عن القبر في «مكتب دفن الموتى» بحجة أنه تنازل من دون مقابل مادي، ويحصلون على حكم قضائي بنقل الملكية.