اقتصاد

درسان متناقضان بعـلم الإدارة من كريستوف كولومبوس!

| د. سعـد بساطــة

خلال رحلات كولمبس نحو القارة الأميركية 1500 و1504 مرّ المستكشف والرحالة الإيطالي بالكثير من المصاعب؛ مثل هلاك العديد من أفراد طاقمه وخراب أكثر سفنه، ولدى استعماره العديد من «الجزر الهندية»، عـاد لأوروبا وبحوزته أطنان من الذهب.
وللأمانة فقد حظي المغامرون الأوروبيون بداية باستقبال طيب من السكان الأصليين للمنطقة الذين استقبلوهم بتقديم الغذاء والمأوى لهم.
مع مرور الوقت توترت العلاقات بين الأوروبيين والسكان الأصليين حيث عمد رجال كولومبوس لاقتراف تصرفات مسيئة، فلم تتردد القبائل في قطع إمدادات الغذاء عن الغـزاة؛ فمع بداية دخول الإسبان «العالم الجديد» للمرة الأولى، كان الهنود يخرجون لاستقبالهم مشعلين النار ملقيـن فيها الذهب، لأنهم كانوا يظنونهم أبناء الشمس؛ لكن أولئك قابلوا الهنود بالإساءة، لقد سلبوا أراضيهم وأخضعوهم بقوة السلاح. وكانوا يغيرون على قراهم لأسر السبايا من الفتيات واغتصابهنّ. شرع الهنود الحمر في مقاومة المستعمرين، لكن الصراع حسم سريعاً لمصلحة كولومبوس ورجاله الذين استخدموا الأسلحة النارية ضد الهنود الذين منعـوا عـنهم الطعـام.
واجه رجال كولومبوس خطر المجاعة، وتخوفهم من إقدام السكان الأصليين على الفتك بهم مستغلين النقص الحاد في الغذاء لديهم، أمام هذا الوضع السيّئ اتجه كولومبوس لاعتماد حيلة ذكية لخداع السكان الأصليين بهدف الحصول على إمدادات الغذاء، فقد امتلك روزنامة فلكية أعدها الفلكي اليهودي أبراهام زاكوتو، تحدثت عن حصول خسوف كلي للقمر ليلة ما بين التاسع والعشرين من شباط وأول آذار 1504، فاستغل الظاهرة الطبيعية وجهل قبائل الأراواك بجامايكا بعلوم الفلك لإنقاذ طاقمه من الموت جوعاً، مع اقتراب موعد الخسوف، التقى كولومبوس زعيم قبائل السكان الأصليين للمنطقة ليخبرهم بغـضب الإله من تصرفاتهم وقراره عقابهم على فعلتهم بحجب القمر عنهم وتركهم في الظلام، عندها ضحك الحاضرون من كلامه فغادر المكان مبتئساً!
خلال الليلة الموعـودة صعقت قبائل السكان الأصليين لاختفاء القمر، فتوجهوا مذعورين نحو كولومبوس طالبين الصفح منه تزامناً مع وعودهم بتزويده بالغذاء، وطلبوا منه توسط الإله لإعادة القمر؛ إثر ذلك استعان بساعته الرملية لحساب توقيت زوال الخسوف وعودة القمر.. بعـدها أعلن قبول الإله اعتذارهم وموافقته على إعادة القمر، وبفضل حيلته الذكية تمكن من الحصول على الغذاء وإنقاذ طاقمه من المجاعة ليشرع بالإبحار لبلاده مع غـنائمه الثمينة.
الدرس الأول: المعـرفة قوة؛ كـن قبل خصمك ولو بخطوة واحدة!
أما الدرس الثاني: الذي خرقه كولومبوس؛ فهو وجوب المحافظة عـلى كيان «بريستيش» بحارته (علاقة المدير بموظفيه في أي شركة تجاه الغـرباء).
يقال إن ثلاثـة من بحارته ارتكبوا مخالفات جسيمة؛ ورفضوا تنفيذ أوامر أحد ضباط سفينته؛ فقرر عـقابهم عـلانية بربطهم عـراة إلى أشجار في الغـابة؛ وجلدهم أمام الملأ.. ملأ صراخهم وعـويلهم الجزيرة؛ وتفرّج الهنود عـلى المشهد بتعـجـّب؛ فقد كانوا يعـتقدون أن هؤلاء الغـرباء – من نسل الآلهة-! عـندها طردوا تلك الأفكار من مخيـّلتهم؛ وتعـاملوا مع البيض كبشر مثلهم؛ وناصبوهم العـداء إذا اخترقوا حرم قبيلتهم؛ وكانت تلك بداية تمرد السكان الأصليين؛ عـلى «السلطة المقدسة» للزوار من البيض!
في الختام: الفطـِن من يتعـلم الدرس من تصرف الآخر؛ والذكي يتعـلّمه من تجاربه؛ أما من لا يتعـّظ؛ فله اسم آخر!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن