ثقافة وفن

«خطوط» عرض راقص يرصد الحياة.. لمَ لا يكون جماهيرياً؟! … الفنانون الشباب يبعثون الأمل في الحياة والفن

| إسماعيل مروة - ت: طارق السعدوني

على يومين قدّم طلاب وفنانو قسم الرقص في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق عرضاً احتفالياً بفن الرقص على مسرح سعد الله ونوس في المعهد، حمل هذا العرض اسماً تعبيرياً كالرقص (خطوط) وهو اسم معبر عن العرض وفنونه وأفكاره ولوحاته ومضمونه، «الوطن» حضرت هذا العرض، وقرأت شيئاً مما جاء فيه.

الدعاء والرجاء

في لوحة تعبيرية هي أقرب إلى الرقص الصوفي المنعتق من حالة، الذي يرجو خلاصاً، قدّم الشباب لوحة مشغولة بحرفية فنية وفكرية، أخذت حقها على مراحل من الرقص التعبيري الممدود اليدين بالتضرع، وهي حالة تعبر عن السوريين وأملهم بعد كل هذه الحرب الطويلة، وما حلّ بالإنسان، وجاء الخلاص بحركة دائرية وطويلة، ترنو إلى السماء، وتلتصق بالأرض، تزرع الأمل بما هو قادم، وتغادر الحالة الحالية.

الموت والحياة

لوحة مميزة بموسيقاها وبالضوء والأداء، تقدم فكرة الحياة والموت، وصراع الإنسان من أجل البقاء، ورغبة الإنسان في أن يتخلص من براثن الموت، وهي حالة مشهدية راقصة تدخل في عمق روح الإنسان وبحثه عن المزيد من الحياة وجمالها، وقد أداها الراقصان ببراعة وإتقان.

السامبا والحياة

قدم الراقصون لوحات عدة على أنغام السامبا والحيوية والحياة، والبشر يغطي الوجوه بعد التدرج من الابتهال إلى الموت والحياة، وهذا التدرج كان مدروساً ومقنعاً غاية الإقناع، وقد جاءت لوحة السامبا بلباسها ورقصها وتعبيرها مرحلة انبعاث بعد الخلاص من الموت، إضافة إلى لوحات اعتمدت الموسيقا الغربية الكلاسيكية، وبعض الأغنيات الشهيرة الأجنبية، وقدّمت لوحات صالونات راقصة غاية في الإتقان والانعتاق من الجسد.

السماح وعراقته

وفي عمق الروح العربية الأصيلة القديمة والمعاصرة قدمت مجموعة من الراقصات والراقصين الشباب لوحة من الرقص التعبيري الروحاني رقص السماح، وكذلك جاءت اللوحة بلباسها وإشراقها والشعر الصوفي المرافق تعبيراً عن الحياة وحب الحياة، وكانت هذه اللوحة تعبيراً عن أصالة فن الرقص التعبيري في تراثنا وذاكرتنا.

الرقص التراثي والشعبي

وبأداء سلس مرتبط بما قبل وما بعد، قدم الراقصون لوحة راقصة من التراث الشعبي الذي لا يزال محفوظاً، بالأزياء والموسيقا والغناء وحركة الجسد، وكأن صانعي العرض يريدون التأكيد أن الرقص التعبيري الشعبي هو جزء مهم للغاية من لوحة الرقص التعبيري العامة التي تجمع ما هو عالمي أدركه الحفظ واعتني به، وما هو محلي وعربي يلزمه العناية ليكون في أرقى شكل تعبيري.

العرض والتقنيات

العرض كان مفاجئاً في نواح كثيرة، لعلّ أهمها على الإطلاق هو الالتزام باللوحات والوقت، فلم يتأخر العرض دقيقة واحدة في البداية، ولم يتجاوز الساعة المحددة للعرض بدقيقة واحدة، واللوحات كانت كل واحدة تسلم نفسها للأخرى، فتبقى الأفكار واللوحات متتابعة من دون اقتطاع زمني من أجل أمور تقنية أو ما شابه، فكان عمل الشباب عملاً احترافياً عشقياً للرقص والفن، وعلى الرغم من بساطة الإطار العام للوحات في الديكور، إلا أن الاستخدام الأمثل للخشبة وما فيها جعلها موظفة توظيفاً موفقاً في إطار الجو العام، والأزياء واللباس كان بسيطاً وموفقاً في التعبير عن كل حالة من حالات الرقص، شرقية وغربية، فردية وجماعية.

المناسبة والمشاركة

يقام هذا الاحتفال سنوياً، فهو ليس عرضاً للدراسة والتخرج، وإنما هو احتفال بالرقص فناً وحباً، وشارك فيه كما يشير المنشور

المرافق طلاب قسم الرقص في سنواته الأربع، مع الأساتذة الذين جعلوا الرقص عشقهم ومهنتهم، وإن كنت قد وقفت عند الرقصات حسب موضوعاتها كما فهمتها، فقد أشار المنشور إلى كل رقصة واسمها ومن أداها، ومن أشرف عليها وعلى التدريب.

الاستثمار في الإنسان

في كل سنة تقام هذه الاحتفاليات ضمن المعهد العالي، ولم تتوقف الأنشطة في الحرب على سورية، والشكر للمشرفين على الثقافة أنهم لم يتوقفوا عن احتضان المبدعين وصقلهم وتدريبهم وتخريجهم ليملؤا الحياة ثقافة وفناً وحباً.. ولكنني أتوجه إلى المعنيين بإيلاء هذا الجانب الثقافي الفني أهمية كبرى، ففيه الإنسان والفن والقيمة، وفيه التنوير والانطلاق في آفاق الحياة، الرعاية موجودة، لكن الأمر بحاجة إلى عناية أكثر، فالبروشور المطبوع دليل على الحاجة إلى رعاية أوسع وإعلام أوسع.. وربما لا أكون مغالياً إن قلت: إن عروض الطلبة هذه قد تكون أهم من عروض احترافية، وأكثر أهمية من أنشطة أخرى كثيرة، وليت تتم الاستفادة منها، وعرضها بشكل جماهيري، وألا يقتصر العرض على الأساتذة والطلبة والمعنيين!!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن