ثقافة وفن

طارق الصباغ يخرج من عباءة أبيه

| سوسن الصيداوي

أن تكون ابنا لأب مهم وذائع الصيط بنجاحه وقدرته على الاستمرار في الدرب الذي امتهنه، لهو في الحقيقة أمر ليس بالهيّن، مهما كان مجال الأب سواء في الطبابة أم المحاماة أم في الأدب وغيره الكثير من المهن المتنوعة، وصولاً إلى الفن الذي هو موضوعنا اليوم.
إذاً ليس الأمر بالسهل، لأنك دائما ستكون (ابن فلان)، ولكن أن تخرج من هذه العباءة لتنطلق محلقا في سماء أنت اخترتها، هنا تكمن الشطارة والذكاء، وبالفعل هنا يكون فرخ البط عوام.
الحديث اليوم عن موهبة تمثيليّة شابة، اختارت التمثيل مهنة، اقتداء بالأب القدير عبد الهادي الصباغ، الابن طارق الصباغ الذي انطلق نحو حلمه منذ الطفولة وهو بعمر عشرة أعوام في مسلسل (أحلام عبدو).
في الموسم الرمضاني 2021 شارك طارق بمسلسل «350 غرام»، من كتابة ناديا أحمر وإخراج محمد لطفي، بشخصية بائع الفول سليم الراعي، هذا الدور تقدّم فيه ممثلنا بإضافات جديدة، جعلت منه مختلفاً ومتجدداً. وللحديث أكثر نترككم مع المزيد من التفاصيل.

اللعب على البطولة الثانوية

في مسلسل «350 غرام» لم يكن مسار الحدث الدرامي مرتبطاً فقط بالأبطال الرئيسيين للمسلسل: كعابد فهد، سلوم حداد، كارين رزق الله. بل الحدث جاء متشابكاً مع أحداث ثانوية أخرى، وكان للأخيرة وجود أساس في التأثير على الحدث الرئيسي. بمعنى أن الشخصية التي أدّاها طارق الصباغ في المسلسل، وهي سليم الراعي الذي يبيع الفول في حي فقير، هذه الشخصية طحنها الفقر بظروفه القاسية، هذا عدا التلّبك الواضح والخوف المسيطر عليها بشكل دائم والناتج عن ضعف الشخصية وقلة الثقة بالنفس، ما يوقعها بشكل دائم كضحية للتنمّر من الكبار والصغار في الحي.

سليم سعادته البالغة تكمن في أن تلتفت له حب حياته، جارته (ليلى) التي تؤدي دورها الممثلة اللبنانية ستيفاني عطا الله، الأخيرة هي أرملة ولكنها تطمح بالزواج من رجل ممتلئ مادياً، وقادر على أن يكون سنداً لها، إضافة إلى أن محاولات سليم بالتقرّب منها كانت دائما فاشلة، ويواجه بها ما لا يمكن وصفه من شعور الدونيّة والقرف والاحتقار الذي تكنّه له. هذا الذل دفع سليم للانتحار، ولكن الحياة رغبت في أن تبقى ساكنة في جسده المنهك، والذي لم يفارقها حتى بسقوطه من مكان مرتفع، ولكن كلّ شيء خذله وحتى الموت لما طلبه.

في الأداء

لقد حقق طارق الصباغ بدور (سليم الراعي) في مسلسل «350 غرام» النجاح المطلوب، حيث أدى الشخصية في سلاسة مبتكرة وبعيدة عن المبالغة، فحتى الأداء المقترن بما ارتدته الشخصية من إكسسوارات، جعلتنا نصدق بأنه هو حقاً (سليم) بائع الفول الذي يعيش ذلّ فقره وبؤس حاله.

لبس طارق الصباغ التعاسة والحزن بمهارة تُحسب لنجم شاب مفتون بالتمثيل منذ الصغر، هذه المشاعر السلبية سكنت ملامح وجهه، وأبهتت بريق عيونه، وحتى الكلام كان يأتي بصوت خافت متلعثم الحروف، معبّراً عن مدى الخوف والتردد الذي يخفيه في الداخل، وليس هذا فقط، بل حركات الجسم من انكماش الأكتاف وانحنائها مع الظهر، وعدم ارتفاع الرأس نحو الأعلى، وإغماض إحدى العينين، كلّها جاءت مدروسة، لتشير حقاً لمكنونات عميقة تعيش بؤساً لا يمكن للشخصية أن تطيقه أكثر، هذا ومن جانب آخر، كلّ الأمور المذكورة أعلاه حقيقة أكسبته تعاطفاً كبيراً من المشاهد، لتؤكد بأنه ممثل بسيط في الإقناع وفي الوقت نفسه بعيد عن المبالغة في الشخصية التي يتقدّم إلينا فيها بسلاسة تامة، وباختلاف مميز عما تمّ تقديمه من شخصيات أثبت فيها نفسه في الوسط الفني، والتي تنوعت بحسب تنوع عمره ونضجه في مشواره الفني، الذي نتمنى له أن يبقى فيه متجدداً ومبدعاً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن