من الواضح تماماً أن الموقف الذي اتخذه رئيس «القائمة العربية الموحدة» الإسلاموية منصور عباس التي فازت بأربعة مقاعد كنيست في الانتخابات الإسرائيلية الماضية بعد انشقاقها عن الإطار الجامع للحركة السياسية العربية المشتركة في فلسطين المحتلة منذ عام 1948 وتعهده في البداية بدعم نتنياهو وائتلافه، ثم نقله هذا الدعم فيما بعد لحكومة نفتالي بينيت التي تعد أشد تطرفا وتنكرا لحقوق الفلسطينيين، سيشكل أسوأ صفحة شديدة السواد في سجل الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية السياسية في الداخل والخارج.
لقد فاجأ هذا الدعم الذي لم تحلم به الحركة الصهيونية طوال أكثر من سبعين سنة في الكيان الإسرائيلي، معظم المحللين ورجال السياسة والأحزاب في تل أبيب، لأنه لو لم يقدم تأييد أعضاء الكنيست الأربعة التي فازت بها حركته لحكومة نفتالي بينيت لما نجحت الأحزاب السبعة الصهيونية في تشكيلها بموافقة 60 عضواً من الكنيست بعد أن عارضها 59 عضواً.
الكل يرى أن توقيت هذا الموقف المدان من الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية، حمل معه فاجعة هائلة لأنه جاء بعد العدوان السافر الوحشي الذي شنته قوات الاحتلال على قطاع غزة وارتكبت فيه مذابح شاهد ضحاياها العالم أجمع، وبرغم هذه الصورة لم يتردد منصور عباس عن دعم حكومة أشد وحشية مما فعلته حكومة نتنياهو، فوزير الدفاع في حكومة نتنياهو بيني غينتس ما زال نفسه في حكومة بينيت.
وحين يتابع منصور عباس دوره في هذه الحكومة سيجد من حوله وزراء ما زالوا مطلوبين للمحاكمة بارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين ومنهم غينتس وافيغدور ليبيرمان ونفتالي بينيت نفسه الذي صرح علناً أنه قتل عشرات الفلسطينيين بسلاحه أثناء خدمته كضابط في وحدات خاصة ثم أثناء توليه منصب وزير دفاع في حكومة نتنياهو سابقاً، فماذا سيفعل هو وبقية أعضاء حركته في الكنيست وكيف سيصوتون لمصلحة المزيد من الجرائم ضد شعبهم؟
بل كيف سيتصرف حين تصله خطط وبرامج عمل «حكومته» هذه ومشاريعها للاستيطان وهدم بيوت الفلسطينيين وترحيل عائلات في أحياء مدينة القدس واقتحام مواقعها الإسلامية والمسيحية المقدسة؟ وماذا سيفعل حين يقوم جيش «حكومته» بارتكاب المذابح في الضفة الغربية وقطاع غزة؟ وهل سيصمت الناخبون الفلسطينيون الذين ضللهم باسم الإسلام فصوتوا لمصلحة حركته على هذا الانحراف الحاد والإستراتيجي المضاد لأهدافهم وأهداف شعبهم، أم إنهم سيتحركون منددين به وبحركته؟
يبدو أن حركته الإسلاموية في الأراضي المحتلة منذ عام 1948 ستسجل لنفسها أول سابقة كحركة تتحالف مع أحزاب صهيونية ضد شعبها وضد نفسها وضد أمتها العربية والإسلامية.
ولذلك أصبح من المطلوب في الساحة الفلسطينية داخل الأراضي المحتلة عام 1948 وداخل الضفة الغربية وقطاع غزة وجميع مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الخارج إعلان مقاطعة لحركة منصور عباس وكل من يمثلها في الكيان الإسرائيلي، فهذه السياسة التي اتخذها منصور عباس علناً يجب العمل على منع استمرارها أو بقائها فاعلة في ساحة الشعب الفلسطيني داخل الأراضي المحتلة وخارجها، فهي وصمة عار على كل من يمثلها أو يصمت عليها وخاصة بعد أكثر من سبعين عاماً على صمود الشعب الفلسطيني وكفاحه العادل في كل مكان ضد اغتصاب فلسطين وإبعاد الشعب الفلسطيني عنها بالإرهاب والمذابح.
لا شك أن هذا الموقف الذي اتخذه عباس لن يكتب له بالتأكيد فرصة الاستمرار والبقاء لأن الشعب الفلسطيني في الداخل وفي كل مكان لن يهدأ له حال إلا بإنهاء هذه الفاجعة برغم أن قادة الأحزاب الصهيونية سيلتفون حول حركة عباس الإسلاموية بهدف تحويلها إلى إطار إسلاموي أكثر اتساعاً وخطورة لاستغلاله إقليمياً ضد كل هذه الأمة.