قضايا وآراء

قمة جنيف.. فرصة أميركية لمقاربة جديدة مع سورية

| منذر عيد

يفرض الملف السوري، وهو جزء من كل، حضوره بشكل قوي على محادثات الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي جو بايدن في قمتهما اليوم في جنيف، حضوراً بدت ملامحه من خلال أحاديث وتصريحات الرئيسين قبل اللقاء.
وتشي أجواء ما قبل القمة أن الأمور قد تذهب باتجاه تغيير في أحداث الأزمة السورية، أقله إحداث حلحلة ما في العديد من تفاصيل ذاك الملف العالقة، بانتظار موقف واضح، أو توافق في وجهات النظر الروسية الأميركية بما ينعكس بشكل عملي في أرض الميدان والجغرافيا السورية، حل أو توافق يصفه البعض بصفقة بين الجانبين تأخذ في الحسبان تطلعات كل طرف، ومقاربته للوضع في منطقة كانت أحد أسباب التوتر الحاصل بين الجانبين لسنوات عدة.
كثير هي التفاصيل التي قد يشكل كل منها ملفاً أساساً في جانب ما من البحث والنقاش، فمن موضوع ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية -قسد» ومشروعها الانفصالي، والنفط في الجزيرة، ومسالة سرقته من الاحتلال الأميركي والميليشيات وحرمان الدولة السورية منه، إلى إدلب والتنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها «جبهة النصرة»، وسعي واشنطن لاتخاذها ذراعا لها، ومسألة الاحتلال التركي، إلى مسألة المساعدات الإنسانية وقضية المعابر، وإصرار الإدارة الأميركية على فتح أبواب المعابر جميعها على مصاريعها أمام دعم لأعداء سورية تحت ما يسمى مساعدات إنسانية، إلى لجنة صياغة الدستور والعملية السياسية، إلى وجود الاحتلال الأميركي، لتتسع زاوية فرجار البحث في قمة تحضر على أجندة المباحثات فيها مواضيع عدة أخرى، على الأهمية ذاتها أو أكثر بالنسبة للطرفين.
قال بايدن في مؤتمر صحفي عقده الأحد الماضي في ختام قمة «G7» في بريطانيا، أنه يأمل في إيجاد مجالات للتعاون بين الولايات المتحدة وروسيا، مشيراً إلى مثال سورية، وهذا مؤشر إيجابي في الإطار العام، وبادرة حسن نية من الجانب الأميركي، إلا أنه في حال كحال الوضع السوري لا تكفي النيات الطيبة، وإن كانت ضرورة لحل الأزمة فيها، بل إن الأمر بحاجة إلى عمل فعلي على أرض الواقع، وإن كانت التصريحات الإيجابية تشكل علامة مبشرة لمخرجات إيجابية للقمة.
كثيرة هي المواقف والنصائح التي صدرت عن عدد من المسؤولين الأميركيين السابقين، ذوي الخبرة بالشأن السوري والمنطقة عموماً، نصائح حضت إدارة بايدن على الذهاب نحو حل والتقارب مع الجانب الروسي، حتى إجراء مراجعة، ومقاربة جديدة مع الحكومة السورية، حيث عبر المساعد الخاص للرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان، دوغ باندو، عن قناعته أن بايدن يمكن أن يقوم بدور قام به في حينه الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، وأن بإمكان الرئيس الأميركي أن يشد رحاله إلى روسيا بالمعنى المجازي لهذه العبارة، ويعيد العلاقات بين موسكو وواشنطن إلى استقرارها فهي أهم من أن يتم تدميرها نهائياً.
إدارة بايدن التي ورثت سياسة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في سورية، واصلت النهج ذاته، من فرض عقوبات اقتصادية على سورية والشعب السوري، ودعم الحركات الانفصالية مثل «قسد»، ويبدو أنها لا تأخذ في الحسبان حتى الآن المتغيرات الكبيرة التي شهدها الميدان السوري، بعد مضي عشر سنوات من الحرب الإرهابية على سورية، وما أفضى إليه المشهد السياسي الأخير والمتمثل بالانتخابات الرئاسية، فيدخل بايدن من أبواب القاعة بملف يعتبره ضاغطاً على موسكو وهو «الملف الإنساني»، كما أشارت مجلة «فورين بوليسي» الأميركية قبل أيام، بأن بايدن يخطط للضغط شخصياً على بوتين لتوسيع توزيع المساعدات داخل سورية خلال القمة، ويختبر بذلك احتمال انتزاع تنازلات من أشد خصوم الولايات المتحدة.
إذا ما فرضت الواقعية ظلالها على النظرة الأميركية في القمة، فمن المفترض أن تكون قمة جنيف فرصة جيدة للرئيس بايدن لرسم ملامح ايجابية لطريق سياسته في سورية، تلك السياسة التي دخلت في جو ضبابي باهت المعالم منذ وصوله إلى البيت الأبيض، أو فرصة يستغل من خلالها تحويل القمة إلى سلم ينزله من أعلى الشجرة التي وجد نفسه عليها، نتيجة سياسة سلفه ترامب، وهو المدرك أن الضغط على موسكو لتقديم تنازل ما في سورية، لن يكون بالمجان ومن دون مقابل يضمن مصالح روسيا ومصالح وموافقة سورية، حيث تقول مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في تشاتهام هاوس لينا الخطيب في مقال نشرته «فورين بوليسي» إن المرونة الروسية لن تكون مجانية في الشأن السوري الذي تعتبر موسكو أنه كان جزءاً أساسياً من إعادة المكانة الجيوسياسية لروسيا في العالم.
ثمة تفاؤل كبير بالتوصل إلى مخرجات ايجابية في نهاية لقاء بوتين بايدن، بما يخص الملفات الخلافية بين البلدين عموماً، وفي الشأن السوري بشكل خاص، وخاصة مع تشبيه قمة غدٍ بقمة 1985 التي جمعت ريغان وآخر زعيم سوفياتي ميخائيل غورباتشوف في جنيف.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن