من دفتر الوطن

مزمار حينا.. أطرَبْ

| فراس عزيز ديب

إياكم والعبَث بأي منظومة إن لم يكن هناك من مجالٍ لاستبدالها بالكامل، فإن العبث بها قد يضاعف المشكلة، وأي محاولةٍ للإصلاح هي ضرب من الخيال. المنظومة غالباً ما تكون كتلة متماسكة بسلبياتها وإيجابياتها قد تكون مجموعة منَ القوانين، أو فريقاً رياضياً أو حكومياً.
لا يرتبط نجاح المنظومة بالتفوق الفردي الواضح لكل مكوناتها، بل بقدرة راسم السياسات على توظيفِ هذه القدرات حسب الاحتياجات ليصبح الجميع في خدمةِ المنظومة، وليست منظومة قائمة على بعض المهارات، ولكي تتضِح الصورة تعالوا نتذكر هذا المثال الرياضي:
قبل ثلاث سنوات، عادَ فريق أياكس أمستردام الهولندي ليكتبَ التاريخ من جديد على الساحة الكروية الأوروبية عبرَ فريقٍ قوي جلهُ من الشبان، نجحَ يومها بما عجزَ عنه الآخرون لأكثرَ من ألفِ يوم، وهو إخراج نادي ريال مدريد من دوري أبطال أوروبا، وكان الفريق قاب قوسين أو أدنى من التأهل لنهائي الأبطال.
بعدَ انتهاء الموسم الكروي سالَ لُعاب الأندية الغنية على تلك المواهب وسط الإغراءات المالية الكبيرة، فعلياً فضَّل النادي البحبوحة الاقتصادية على المنافسة فباعَ أكثر من نصف أعمدتهِ. أصبح الفريق مهزوزاً وهذا طبيعي، لكن ما لم يكن طبيعياً أن تلك النجوم التي غادرت بأسعارٍ فلكية فشلت مع أنديتها الجديدة بإثبات نفسها، بعضهم بقي طوال الموسم حبيس دكةِ البدلاء، بعضهم الآخر خفتَ نوره بشكلٍ مريع، هذا يعني أن نجاح المواهب لم يكن فقط بسبب موهبتها ولكن لوجودها ضمن منظومة قادرة أن تستفيد منها وتجعلها تبدع.
تذكرتُ هذا المثال قبلَ الأمس وأنا أُتابع الخسارة القاسية التي تلقاها منتخبنا الوطني من المنتخب الصيني، تذكرتُ تلك المنظومة التي صنعت النجاح قبل سنوات عبرَ المدرب الوطني وجعلتنا جميعاً نتسمَّر أمام الشاشات، ثم هناكَ من عبثَ بتلكَ المنظومة عبرَ المجيء بشبهِ مدربٍ ألماني. استعادت المنظومة ألقها عبرَ المدرب الوطني وأكملَت المهمة بنجاح حتى ما قبل وصول المدرب التونسي فعادَ العبث من جديد وسقطَ المنتخب بأول اختبار حقيقي! تذكرتُ هذا المثال وأنا أُشاهدُ لاعبي المنتخب يوحدون منشوراتهم بعبارة «سنبقى ضحايا للصراعات!» كيفَ نخبر هؤلاء بأننا نحنُ أيضاً كجماهير ضحايا لتلك الصراعات؟!
واقع الأمر قد تكون هذه المنشورات أسلوباً للهروب من تحمل المسؤولية لا أكثر، ولكن لو وسعنا الدائرة قليلاً فسنجد أن هناك من عبثَ بالمنظومة، هناك من لم يعجبهُ مزمار الحي الذي أطربنا جميعاً، هذا الكلام ليسَ تقليلاً من دور ومكانة المدرب التونسي لكن المشكلة أن البعض عبثَ بالمنظومة من دون أن يدرس جاهزيتنا لتغيير كهذا، لهؤلاء نقول هل تشاهدون بطولة الأمم الأوروبية؟
هناك دول لم يمض على تأسيسها سنوات باتت اليوم رقماً صعباً على الساحة الكروية والأهم كم عدد المدربين الأجانب مع المنتخبات الوطنية؟ الجواب عندكم إن كان لديكم الوقت أساساً لتطلعوا على التطور الحاصل في رسم السياسات الكروية، وحتى يأتينا جوابكم تذكروا، إن أعجبتنا إنجازات المدرب الوطني أم لم تعجبنا نحن أمام حقيقة واضحة:
أعيدوا لنا «مزمار الحي»، على الأقل قد أطربنا!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن