قضايا وآراء

سبايكر وجع من الصعب نسيانه

| أحمد ضيف الله

هو لا يشبه فيلماً خيالياً عن مذبحة دموية تجري في قصر من القصور، ولا حتى عن وحوش بشرية تفتك بضحاياها في غابة من الغابات، إنها أكبر جريمة إبادة بشرية عن سابق تصور وتصميم، نفذتها عقول مريضة غارقة في النذالة والتوحش بحق شبان أبرياء.
قبل سبع سنوات، في الـ12 من حزيران 2014، وبعد يوم واحد من سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على مدينة الموصل، أقدم مجرمون على استدراج بالخديعة (1907) طلاب من قاعدة سبايكر الجوية بمدينة تكريت في محافظة صلاح الدين العراقية، بعد أن أوهموهم أنه سيتم إيصالهم إلى مناطق سكنهم خارج المحافظة لأن الجيش العراقي انسحب من المنطقة بعد سقوط مدينة الموصل، طالبين منهم ترك السلاح والخروج بالملابس المدنية.. ليسلّموا بعد ذلك إلى حشود سوداء كانت بانتظارهم، قادوهم وهم عزّل إلى الموت من دون أي صدام مسلح، وخلال بضع ساعات قتلوا على يد مجموعة من مجرمي بعض عشائر المنطقة المعروفين ممن أطلقوا على أنفسهم أنهم أنصار «الدولة الإسلامية»!
تنظيم داعش الإرهابي نشر سلسلة فيديوهات في شبكة الانترنت زادت مدتها على الساعة، تضمنت مشاهد مرعبة عن المذبحة، التي تظهر صفوفاً من الشباب باللباس المدني يمددون على الأرض ضمن حفر إلى جانب بعضهم البعض، وفوق بعضهم البعض في صفوف عدة، وأيديهم مقيدة إلى الخلف ثم يطلق الرصاص عليهم بكثافة، مترافقاً مع قيام جرافة بطمرهم بالتراب على الفور.
آخرون يساقون في طوابير إلى منصة على نهر دجلة داخل مجمع قصور صدام حسين الرئاسية بتكريت، ليقوم شخص بإطلاق رصاصة على رأس الضحية وآخر بركله إلى النهر، ليتحول ماء النهر خلال دقائق إلى اللون الأحمر القاني.
مجموعات أخرى وضعت في حفر عميقة، ثم يُهال التراب عليهم، ليدفنوا وهم أحياء..
أكداس من الشباب العزّل محشورون في شاحنات، يطلق الرصاص عليهم، ثم يرمون بعد ذلك إلى الأرض لتتولى جرافة بتجريفهم من على الأرض ورميهم في حفر، حيث تتدلى أجسادهم منها في مشهد يكاد يقتلع قلبك.
كل ذلك يجري وسط صيحات «الله أكبر» وتوسل الضحايا ورجائهم ألا يقتلوهم، لكونهم طلبة لم يمض على التحاقهم بالقاعدة الجوية بضعة أشهر.
مذبحة سبايكر أبشع عملية قتل جماعي قام بها تنظيم داعش الإرهابي، أرعبت العراقيين من دون استثناء، فكان لها الأثر في سقوط قرى ومدن على أيدي أعداد قليلة من عناصر التنظيم.
الدول الخليجية اعتبرت ما كان يجري في العراق آنذاك، متوجاً بسقوط مدينة الموصل، على أنها «ثورة شعبية» ضد حكومة نوري المالكي، ودعمت ذلك مادياً وإعلامياً.
هوشيار زيباري وزير الخارجية الأسبق قال خلال مؤتمر صحفي في ختام اجتماع تشاوري لوزراء الخارجية العرب في جدة على هامش مؤتمر التعاون الإسلامي في الـ18 من حزيران 2014، متحدثاً عما يجري في العراق: «التقيت الأمير مقرن بن عبد العزيز (ولي العهد السعودي) والأمير سعود الفيصل (وزير الخارجية السعودي).. بحثنا هذا الموضوع مع القيادة السعودية بوضوح وبصراحة طالبنا مساعدتنا والكف عن هذا الإعلام التحريضي.. هناك بعض الفتاوى التي تكفّر وتدعم ما يحصل قائلة إنه ثورة أو انتفاضة.. إذا القاعدة أو داعش تعمل ثورة، فمبروك» على من يعتبرها كذلك.
وللتذكير، السعودية كانت وراء إلغاء الاجتماع الوزاري مع الاتحاد الأوروبي الذي كان مقرراً عقده في الـ23 من حزيران 2014، وذلك قبل ساعات من انعقاده، في خطوة غير مسبوقة، على خلفية عدد من القضايا، منها: الموقف من مجريات الأحداث في سورية، والتقارب مع إيران، والانتقادات الأوروبية للبحرين في قضايا حقوق الإنسان، والنظرة إلى مجريات الأحداث في العراق، إذ لاحظ السعوديون، أن الأوروبيين ليسوا مستعدين لتبني فكرة «الثورة الشعبية» واللهجة الحادة ضد المالكي كما تريد السعودية، ولا يقدمون ذلك على أولوية ما يجري من أعمال إرهابية، ما دفعها إلى إلغاء الاجتماع المقرر.
بعد تحرير المنطقة عام 2015 تم العثور على جثامين 1200 شهيد، إلا أنه حتى الآن لم يتم العثور على باقي الجثامين. وفي كل عام في الـ12 من حزيران، يتوافد أهالي الضحايا من آباء وأمهات وأخوة وأصدقاء إلى مجمع القصور الرئاسية في تكريت، حيث آثار الدماء ما زالت موجودة رغم الأمطار والتغيرات المناخية، لقراءة القرآن ترحّماً على أرواح الشهداء، ليتجدد الحزن كل مرة، فمن الصعب نسيان الوجع الذي تسبب به تنظيم داعش لأسر شاهدت أبناءها يذبحون بطريقة وحشية، بمباركة ملوك وأمراء آل سعود وآل ثاني وعيال آل نهيان وآل خليفة، الذين يتسابقون اليوم على تهنئة الإسرائيليين على تشكيل حكومتهم.. قتلة يهنئون قتلة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن