ثقافة وفن

أمران أحلاهما الفَهْم!

| إسماعيل مروة

بالأمس قرأت لأحد الكاتبين المحللين الذين كانوا نجوم الشاشات خلال سنوات الحرب، وهذا الكاتب عندما تستمع إليه فإنه متعجل لا يقيم العبارة السليمة، ولا يقدر على الإقناع، ويحمل طاقة غريبة في الشتم والتعريض.. بالأمس وفجأة كتب بشكل آخر، ولست أدري صاحب الفكرة التي هبطت عليه من المحل المظلم، لكنه قال: عاشت المعارضة وهم إسقاط النظام في سورية! كذلك قال، مع أنه هو عبر سنوات الحرب كان دائم الظهور، ودائم التبشير بما اعتبره وهماً اليوم، ورأى أن في الأمرين مشكلة أحلاهما مرّ، أسعفه المثل العربي في إيجاد مخرج! ومن قبله كان أحد أقطاب الحضور السياسي في سورية سابقاً يهلل بالنهاية، ويبشر بدمار أهله خلال سنوات الحرب، ثم يرسل تسجيلاً يغيب فيه عن الشاشات، يتوجه إلى أهله في سورية، وفي إدلب تحديداً، يطلب منهم إيجاد حل مع الدولة، لأن الدولة قاسية ولا ترحم حسب تعبيره! وأسأل حضرته وقد كان جزءاً من السلطة، وركب مواقع عديدة، ألم تكن تعلم أن الدولة والحكومة والسلطة لن تسقط بهذه السهولة التي تتمناها؟ ألم تكن تعلم أن الدولة ستدافع عن وجودها بكل الوسائل والسبل المتاحة والممكنة؟ ألم تكن تعلم أن المعادلات الدولية تختلف عن الأمنيات؟ وبسؤال واضح: ألم تكن جزءاً من هذه السلطة؟
لماذا إذا دفعت أهلك الذين تزعم وجيشتهم إلى حرب كانوا وقوداً هشاً لها، ودفعوا أثمانها غالية؟ لماذا قمت بكل هذا التسعير من الخارج ولم تكن معهم إلى جوارهم ينالك ما ينالهم فتكون منتمياً قولاً وفعلاً؟
وهذه الأسئلة نفسها توجه للسيد الكاتب الذي يرى أن الواقع يتوزع على أمرين أحلاهما مرّ، هل اكتشفت فجأة أن الحلول هكذا؟ هل اكتشفت فجأة أن المعارضة التي كنت تمثل صوتاً لها عاشت الوهم؟ هل تعترف أنك كنت تبيع الوهم مثلك مثل الذي رأى أن الأمر بسيط ولن يتعدى أياماً أوهم العامة والبسطاء بعدّها؟
المشكلة الواقعة على الأرض، وهنا أقتصر على الثقافة والإعلام، لأنني لست خبيراً في السياسة ودهاليزها، تكمن في أنهم لم يفرقوا بين الأمنيات والواقع وأنهم لم يملكوا المعرفة والقراءة التاريخية! ولم يكونوا في يوم من الأيام منتمين إلى سورية، سواء عندما كانوا جزءاً من السلطة، أم عندما انقلبوا عليها! وأن وجودهم وانقلابهم كان رهناً بالمصلحة التي يريدونها لأنفسهم وحسب، وليس لوطن كانوا في غفلة من الزمن مكرّمين فيه من السلطة، ولا يتمكن الإنسان العادي الذي يعرفهم من انتقادهم، وهم القادرون يومها على الدخول من أوسع الأبواب التي لا يراها الإنسان العادي!
أيها الكاتب ليس الأمر حلواً من احتمال غير المرارة.. بل أمران أحلاهما الفهم، فلو كان الفهم مسيطراً لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه، وما تركنا هوام الأرض مهما كان انتماؤها قادرة على أن تعبث بسيف الدولة وسعد اللـه الجابري وشكري القوتلي وخالد العظم، وتاريخ له ما له وعليه ما عليه! الفهم وحده يلغي التبعية، ويجعلنا سوريين نحلّ مشكلاتنا معاً، إن وجدت.
الفهم أولاً لطبيعة الصراع، والفهم للمؤامرة والإيمان بوجودها مهما كان مستواها، الفهم أن سورية أسرة تحلّ مشكلاتها بنفسها، الفهم أنه ما من أحد في الشرق أو الغرب يهمه أمر سورية والسوريين، وأن المصالح هي التي تحكم التحالفات، فهل أدركنا منذ المسألة الشرقية ومراسلات الحسين مكماهون، ومنذ سلخ لواء اسكندرون أن الأمر يتجاوزنا عندما لا نكون وحدة متماسكة؟! لم نستخلص أي عبرة سابقاً، ونحن شهود اليوم على المكابرة وعدم الاعتراف بالأخطاء، وستستمر اللعبة علينا والتآمر علينا إن لم نصل إلى فهم أعمق بضرورة الاعتماد على الداخل والإصلاح التدريجي لا العنف والقتل.. وعندما يضربون مثل ماليزيا يتجاهلون الإصلاح التدريجي الذي جعل ماليزيا على ما هي عليه الآن!
أرجو بحق، ولن نشهد تلك المرحلة، أن نصل إلى مرحلة ندرك أننا لا نعني أحداً بعيداً عن المصالح، وأن الإيديولوجيات لخدمة المصالح، وأختم بمثل أسوة بالكاتب الذي شعر المرارة: ما حك جلدك مثل ظفرك.. فهل نستعير آلات معدنية لتحك جلودنا وتمزقها عند كل موسم؟ أيها السادة لم نكن بحاجة لرؤية سورية كتلة من الرماد والدم والقتل والهجرة لنعرف طعم المرارة التي وصلتك متأخرة!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن