ثقافة وفن

من دمشق وريفها إلى العالم … الوردة الدمشقية والمعاني المتعددة من العطر والأناقة إلى التقدير

| أنس تللو

لعلَّ الحديثَ الأبلغ في هذا العالم، واللغةَ الأجمل التي تتجاوز الحدود هي لغةُ الورد.
حديث الورود حديثُ شائقٌ شائك؛ لأن الوردة الحقيقية غالباً ما تحمل في غصنها شوكاً ناعماً يدلل على أن الصبر والأناة عنصران أساسيان للوصول إلى كل ما هو جميل.

الوردةُ زينةُ المنازل وأنسُ المجالس وفرحةُ الأرواح، تحمل بين أوراقها الزاهية سحراً كبيراً، فلا يراها ناظر إلا وتحيلُ عبوسه إلى ابتسام… وكم وكم ألهمت الورود شعراء وأدباء ففاضت قريحتهم بأجمل عبارات البيان وأزكى تعابير البلاغة؛ وكم تفنن العشاق في استخدام الورود لما يريدون تبادلَه من رسائل وألغاز وإشارات ورموز.
عرفت الوردةُ الدمشقيةُ منذ آلاف السنين، اسمُها الشائع هو الوردة الجورية، تنتمي إلى الفصيلة النباتية الوردية، وقد سميت الوردة الدمشقية أو الشامية لأن الغرب عرفها أثناء حملاته على بلاد الشام… وهي وردة عطرية تمتاز برائحتها الناعمة والعذبة والنفاذة القوية، وتدخل في تركيب العطور الشهيرة والنفيسة والثمينة، ويستخلص منها أفضل أنواع العطور في العالم.
تنتشر شجيرة الورد الشامية في لبنان وسورية وخاصة في غوطة دمشق وفي دمشق وريفها،
يوحي مظهرها التعبيري بالأمل والثقة بالنفس والانسجام والسكينة وعمق التأمل، وترمز إلى مفاهيم الحب والعواطف الصادقة، وتدل على مشاعر النبل والخلود.
وقد قسَّم الناس دلائل الورود بحسب ألوانها؛ فقالوا إن الورد الأبيض يدل على الحب الطاهر النقي البعيد عن الخداع، أو هو عبر عن البدايات الجديدة، لذلك غالباً ما نراه يزين حفلات الزفاف، والورد الأصفر يدل على الهم والغم واليأس، ويعبر أحياناً عن الغيرة في الحب، أما الورد الأحمر فهو يشير إلى الحب المشتعل الجيَّاش، وأما الوردة الزهرية فإنها تدل على الحسن والأناقة واللباقة، وعموماً فإن الورد ذا اللون الوردي الداكن يرمز إلى الامتنان والتقدير… ويمكن للإنسان مثلاً إهداء الورود الوردية إلى والدته أو زوجته في ذكرى زواجه… وأما الورد الأزرق فإنه يشير إلى الخيال أو الغموض، ويرمز أيضاً إلى الوفاء والأمل في تحقيق المستحيل.
أما الوردة البرتقالية فإن لونها المتوهج يمثل أشد أنواع الشغف ويعبر عن الطاقة المتجددة وعن الحماس والامتنان، والنظر إليها يعطي شعوراً بالحيوية ويجلب الطاقة الإيجابية… وأما الوردة الخضراء فهي وردة نادرة ترمز إلى التجدد والحظ الجيّد والعافية، وتضفي أيضاً روح الشباب.
ويُذكر أن أشد أنواع الورود ازدواجاً في التعبير الوردة البنفسجية فهي تحمل الفخر والسحر والأناقة والثراء، ويمكن أن تكون تعبيراً عن الحب من النظرة الأولى، ويقدمها البعض كهدية للتعبير عن الألم والحزن، وأطرف ما فيها أنها تعبِّر عن أن صاحبها الذي يرسلها متحفظ وكاتم لحقيقة مشاعره العاطفية تجاه المُهدى إليه.
ومما هو جدير بالذكر أن الورد لم يكن معروفاً في أوروبا إلا بعض الأزهار والورود البرية، وقد حمله غزاة الشرق في القرون الوسطى ونقلوه إلى بلادهم، ويقال إنهم أخذوا الزنبق والسوسن وغيرهما من مدينة دمشق، وتم غرسها في فرنسا تحت عناية عمال الحدائق، إلى أن كبرت وأورقت وتضاعف عددها، وصارت تُهدى إلى الملوك والعظماء وأصحاب النفوذ، وسمي السوسن بوردة دمشق.
ولعله من المؤسف أن نقول إن الاهتمام بالوردة الشامية قد قلَّ بسبب تحول أذواق الناس إلى العديد من الورود الحديثة الدخيلة.
وبعد… فإن حديث الورود حديث ممتع لأنه يتصل بالجمال الأصيل، وهو أول وسيلة من وسائل الإلهام.
ألا ليتنا نحرص على إدخال الورود إلى منازلنا ومجتمعنا، فإن أعجزنا الحصول على الورود الطبيعية ذات الرائحة الزكية، يمكننا أن نعوض عن ذلك بالزهر الصناعي.
ولا يفوتني أن أشير إلى أن أجمل وردة في العالم ذات سحر كبير وتأثير بليغ يسبق أي تأثير غيره هي الكلمة الطيبة.
لعمري إن للكلمة الطيبة ريحاً فواحة تمتلك القلوب وتأسر النفوس.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن