قمة الدول السبع الصناعية الأخيرة في إنجلترا، هي أول اجتماع حضوري لزعماء الدول السبع، منذ أكثر من سنتين حرص الرئيس الأميركي جو بايدن على حشد و«لملمة» حلفائه لمواجهة الصين وروسيا خلال هذا الاجتماع الذي ضم رؤساء دول وحكومات ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا وكندا واليابان وانضم إليهم نظراؤهم من كوريا الجنوبية وجنوب إفريقيا وأستراليا، فضلاً عن الأمين العام للأمم المتحدة، وافتراضياً رئيس الوزراء الهندي.
حاولت الولايات المتحدة إحياء تحالفاتها التقليدية ودورها «القيادي» في الساحة الدولية وخصصت القمة، اجتماعها الأول للصين، اللاعب الاقتصادي الذي تثير قوته المتنامية والصاعدة قلق العواصم الغربية ووضعت القمة خطة عالمية حول البنى التحتية الموجهة إلى الدول الفقيرة.
أبدت الدول السبع قلقاً شديداً من مبادرة «الحزام والطريق» الصينية، حيث تعتزم بكين إنفاق نحو تريليوني دولار لإنشاء بنى تحتية من طرق ومطارات ومرافئ على رقعة جغرافية تمتد من الشرق الأقصى إلى غرب إفريقيا، ويرون فيها الجانب الجيو – سياسي والاقتصادي ويزعمون أن هدفها هو تطويق القارة الأوروبية بحلفاء للصين لإضعاف قوة أوروبا الاقتصادية وأيضاً إضعاف قدرة الولايات المتحدة على المنافسة في الأسواق الدولية.
كيف تجمع الصين بين سلطة الحزب الشيوعي والنجاح الرأسمالي المذهل؟
الرئيس شي جين بينغ، الذي هو خليط من ماو وبنغ معاً، شيوعي محافظ واقتصادي ليبرالي لا تكف الصين عن النمو في ظلّه، عكس ما هي الحال في أنحاء العالم المصاب بمرض الكساد.
إن الهمّ الأول عند جو بايدن هو الصين، التي تحوّلت إلى دولة رأسمالية مذهلة يحكمها حزب شيوعي، الأعجوبة الصينية تُخيف الغرب برمَّته، وليس أميركا وحدها.
أكبر حزب شيوعي في العالم يحتفل بمئويته في ظل أكثر الرأسماليات نمواً في العالم، وربما في التاريخ ومن دون توقف.
ستمثل الصين 17 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، تم قياسه على أساس معادِل القوة الشرائية، وذلك وفقاً لنيل شيرينج، كبير اقتصاديي مجموعة «كابيتال إيكونوميكس».
بالمقابل مع انتهاء عام 2020، أعلن الاتحاد الأوروبي والصين إتمام اتفاقية شاملة بشأن الاستثمار بينهما، وترى المفوضية الأوروبية هذا الاتفاق الأكثر طموحاً الذي أبرمته الصين مع دولة ثالثة علماً أن رد الفعل الأميركي كان عدائياً.
الواضح أن التوتُّر المتصاعد في العلاقات الصينية الأميركية سيكون سِمَة عهد إدارة جو بايدن. وهو ما عكسه، تَوجُّه إدارة بايدن التي تريد مواجهة التنّين الصيني، بوصفه «التهديد الأكبر» لأميركا لقاء ألاسكا، كان الاجتماع الأول بين الطرفين في عهد الإدارة الجديدة، «صعباً ومعقّداً»، الاجتماع الذي جمع المارد الأميركي بالتنين الصيني ممثلاً بوزيري الخارجية. شهد تلاسناً غير مألوف في الدبلوماسية، في ظلّ غياب أرضية مشتركة للتفاهم.
زعم الأوروبيون والأميركيون أن الدول السائرة في ركب «الحزام والطريق» ستضطر إلى رهن القسم الأكبر من مواردها – ومستقبلها ما سموه «دبلوماسية الديون» التي ستقع فيها.
بدا الرئيس الأميركي جو بايدن راضياً عن نتائج القمة، في مؤتمره الصحفي الختامي، إذ أراد أن يعلن عودة الولايات المتحدة إلى الساحة الدولية بعد «انعزالها» في عهد دونالد ترمب، و«لملم» حلفاءه البريطانيين والفرنسيين والألمان والإيطاليين واليابانيين والكنديين في مواجهة موسكو وبكين، بدوره، أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال مؤتمر صحفي أن مجموعة الدول السبع «ليست نادياً مناهضاً للصين»، بل تسعى إلى «العمل مع الصين بشأن جميع القضايا العالمية» وبمعزل عن الخلافات.
ادعى بايدن أن صندوق البنى التحتية العالمي سيكون «أكثر إنصافاً بكثير» من «مبادرة حزام وطريق» الصينية، وقال إن مشروع الدول الصناعية السبع يُعدّ «التزاماً بالغ الأهمية ليكون منافساً لخطة «طريق الحرير الجديدة الصينية؛ في أميركا اللاتينية أو إفريقيا أو آسيا، عملياً واشنطن وبكين وجّهتا رسائل إلى الداخل الأميركي والصيني.
الولايات المتحدة، في حقبة بايدن، تريد أن تظهر لحلفائها، وخصوصاً في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، أنها القوة العظمى كما تريد إحياء هيبتها، في حين تريد الصين أن تثبت لأميركا أنها لم تعد تلك القوة القادرة على إخضاعها.
الصين مارست نوعاً من العقوبات ضد الولايات المتحدة الأميركية وهي بشكل أساسي عقوبات اقتصادية عبر الرسوم الجمركية مقابل الرسوم الأميركية التي رفعها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
يكفي أن تتخلى الصين عن شراء المنتجات الزراعية الأميركية، ما سيخلق مشكلة كبيرة بالنسبة للمزارعين الأميركيين الذين سيحتجون على سياسة بلدهم إذا خسروا السوق الصينية، ثمة تساؤل هل أميركا تحضّر لحرب مع الصين؟
مجلة «ذا ناشونال انترست» الأميركية القريبة من المحافظين ذهبت إلى حد القول إن حرب واشنطن وبكين قد لا يمكن تفاديها بحلول العام 2030.
ولكن لا مؤشرات تفيد بمصلحة أي من الطرفين الصيني أو الأميركي للانزلاق إلى حرب مباشرة.
الصراع بين واشنطن وبكين هو صراع نفوذ ومنافسة على المصالح، وبما أن قوة السوق تقود السياسة الخارجية للدول، لذلك تدرك أميركا أنها لا تستطيع أن تتخلى عن السوق الصينية، في وقت يصل حجم التبادل التجاري بين الطرفين إلى 600 مليار دولار، كما أن هناك التزامات صينية بشراء بضائع أميركية تقدّر بـ200 مليار دولار وفق اتفاق أبرم سابقاً.
المثير للضحك أن بايدن حذر أقرانه في القمة أنه من دون فعل شيء ما، فإن الصين «ستلتهم غداءنا» عمليا تبقى المواجهة مع الصين محصورة بالعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة، من دون أن ننسى أن بكين تفرض عقوبات انتقامية على واشنطن أيضاً.
أخيراً نشير إلى أن الرئيس الصيني تشي رد بحزم محذراً زعماء مجموعة السبع من أن الأيام التي كانت تقرر فيها مجموعات «صغيرة» من الدول مصير العالم قد ولّت.