من دفتر الوطن

إيه.. في أمل!

| عصام داري

أول هدية تلقيتها من فتاة في حياتي كانت من بنت الجيران أمل، من يومها أدركت أن الأمل موجود قي حياتنا، قلت يومها: «إيه.. في أمل!» وبذلك سبقت زياد الرحباني وفيروز بحوالي نصف قرن!
القصة أنني كنت أمرّ في حارتنا وإذا بالصبية الساحرة أمل تناديني باسمي وتطلب مني كتاباً مدرسياً لم أعد أذكر اسمه، لكنه كتاب للصف الخامس الابتدائي، نعم سيدي، لقد دخلت في عالم الغرام وأنا في الصف الخامس، ومازلت غارقاً في هذا العالم الجميل، ولا أدري متى يشفيني اللـه من مرض الغرام والعشق والهيام!
أومأت لها بأنني سأفعل فوراً، لم أستطع النطق بكلمة واحدة، في تلك اللحظة كنت أسمع نبض قلبي إلى درجة أنني لم أعد أسمع ضجيج الحارة وأصوات البائعين وصراخ الأطفال وهم يتخاطفون كرة بلاستيكية يلهون بها.
أردت أن أهرول أو أركض إلى البيت لإحضار الكتاب لكنني خشيت أن تلحظ لهفتي وتضحك من ارتباكي أمام حسنها الأنثوي الأخاذ، وما إن دخلت إلى البيت توقفت ملياً لألتقط أنفاسي ومن ثم إحضار الكتاب.
أين الهدية في كل ذلك؟ باختصار قد تكون ابتسامتها وكلماتها القليلة وشعرها الذي تداعبه النسيمات هي أحلى هدية، لكن ما أقصده هو هدية مادية وهي الهدية التي تلقيتها من أمل بعد يومين إذ فتحت الكتاب لأجد وردة جورية مجففة وخصلة ياسمين، عندها شعرت أن الكتاب بإمكانه أن يعطّر الكون كله، أو على الأقل مجرّتنا، درب التبانة.
لا أخفيكم سراً أن سبب هذا الاهتمام بالفتاة الجميلة أمل هو أنها كانت مرغوبة من كل فتيان الحي، وإذا حدث وابتسمت لشاب أو فتى فإنه يطير فرحاً وتصير الابتسامة حديث الناس وتشبه إلى حد كبير الهبوط على سطح القمر!
ولأنها كانت مرغوبة إلى تلك الدرجة كنت أتجنبها لاعتقادي بأنني لن أحصل ولا على ربع ابتسامة من صبية سحرت الجميع، حتى أبي كان يختلس النظر منها عندما يمر من تحت نافذتها، لذا كانت المفاجأة عندما طلبت الكتاب، والمفاجأة الأكبر عندما أعادته وهو يحمل في رحمه ورداً وأزاهير تنعش الفؤاد.
من يومها وأنا أدافع عن الأمل وأوزع رسائل صباحية عبر حسابي على الفيسبوك حالياً وعبر لقاءاتي وكتاباتي سابقاً ولاحقاً، وأقول على مدار الساعة: إيه.. في أمل، لكنني دائماً عندما أكتب عن الأمل تقفز أمل، بنت الجيران، من بين الكلمات والحروف وتسحرني بتلك الابتسامة ذاتها!
منذ أيام شاهدت أمل من بعيد وهي تعبر الشارع، صدقوني شعرت بالارتباك نفسه الذي شعرت فيه يوم أهدتني زهورها وورودها، و… حبها، لكنني هذه المرة ابتعدت مسرعاً قبل أن تلحظ وجودي وارتباكي، والمفاجأة كانت أن ابتسامتها العذبة لم تتغير على الرغم من كل السنوات التي مرت علينا، وهذه الابتسامة نفسها التي جعلتني لا أندم على انحيازي إلى معسكر المدافعين عن الأمل على الرغم من كل ما مررنا به من تجارب ونكسات وأزمات، إن كان على المستوى الشخصي أو على مستوى الوطن.
ويا أمل التي أشرقت ابتسامتك على الروح والنفس، ويا من عطّرت أزاهيرك مجرّة درب التبانة، أعود اليوم لأقول لك: نعم، و.. إيه.. في أمل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن