ثقافة وفن

لا يغفو قلب الأب إلا بعد أن تغفو جميع القلوب … خلده الأدباء والفلاسفة.. ورثاه نزار قباني

| وائل العدس

يحتفل العالم أجمع في 21 حزيران من كل عام بعيد الأب، وكثرت الأقاويل حول هذا العيد، إذ ذهب البعض إلى أن له أصولاً قديمة تعود إلى أكثر من 400 عام وترتبط بالكاثوليك.

في الوقت نفسه، يعتبر البعض أن أصول عيد الأب بابلية مرتبطة بشاب كتب رسالة شكر لوالده على لوح صنعه من الطين وقدمه له كهدية تقديراً لمجهوده في تربيته، وكانت أول هدية تقدم للأب.

وفي رواية أخرى يقال إن الاحتفال يعود إلى ابنة أحد المُشاركين في الحرب الأهلية الأميركية قديماً، تدعى سونورا سمارت من أركنساس، واستحضرت فكرة تكريم والدها الذي توفي تاركاً وراءه 6 أطفال كان يعولهم بنفسه بعد وفاة زوجته أثناء الولادة، حيث كانت في عمر الـ16 عندما طالبت بالاحتفال بعيد الأب، مثلما يتم الاحتفال بعيد الأم، وتقدمت بعدة طلبات إلى حاكم ولايتها لتنفيذ مطلبها، وفي عام 1910 أيضاً، تشير بعض الروايات إلى أن فكرة تكريم الآباء ظهرت بعد كارثة التعدين التي وقعت في مونوجا عام 1907، وتعد الأسوأ في تاريخ التعدين الأميركي، إذ راح ضحيتها 362 رجلاً، ما تسبب في ترمل نحو 250 امرأة، وترك أكثر من ألف طفل يتيم، ما دفع السيدة كلايتون لتكريم هؤلاء الآباء من القتلى.

وبين كل تلك الروايات والأقاويل، يظل تكريم الأب احتفالاً غير معمم يبحث عن مظاهر وطقوس شبه موحدة بين دول العالم، لتقديم الشكر إلى الأب الذي يعاني لضمان توفير حياة كريمة لأولاده.

ومع كل الأدوار التي يلعبها الرجل في هذا الزمان، يبقى دور الأب أجمل المشاهد، فهو في البيت الصاحب والسند، هو لأبنائه الخليل والأخ، بين بناته الملك العادل، خارج أسوار مملكته يكافح ويعاني، ليعود آخر الليل يمسح وجهه كل عبوس، فوسام البطولة أقل ما يمكن أن يكافأ به هذا الأب.

وذُكر الأب على مدار التاريخ في كتب وأشعار الأدباء والفلاسفة إيماناً بدوره الريادي في بناء المجتمع.

رثاء الأب

يرثي الشاعر السوري الراحل نزار قباني والده من خلال قصيدة «أبي» ويقول فيها:

أماتَ أبوكَ؟
ضلالٌ.. أنا لا يموتُ أبي
ففي البيت منهُ.. روائحُ ربّ، وذكرى نبي
هنا ركنهُ.. تلك أشياؤهُ
تفتَّقُ عن ألف غصنٍ صبي
جريدتُهُ.. تبغُهُ.. مُتَّكاه
كأنَّ أبي، بعدُ، لم يذهبِ..
وصحنُ الرمادِ.. وفنجانُهُ
على حالهِ، بعدُ، لم يُشربِ
ونظّارتاهُ.. أيسلو الزجاجُ
عيوناً، أشفَّ من المغربِ
بقاياهُ، في الحُجُرات الفساحِ
بقايا النسور على الملعبِ
أجولُ الزوايا عليه، فحيثُ
أمر.. أمرُّ على مُعشبِ
أشدُّ يديه.. أميل عليه
أصلّي على صدرهِ المتعبِ
أبي.. لم يزل بيننا، والحديثُ
حديثُ الكؤوس على المَشربِ
يسامرُنا، فالدوالي الحُبالى
توالدُ من ثغره الطيَّب..
أبي، خبراً كان من جنَّةٍ
ومعنىً من الأرحب الأرحبِ
وعينا أبي.. ملجأ للنجومِ
فهل يذكرُ الشرقُ عينيْ أبي؟
بذاكرةِ الصيف من والدي
كرومٌ.. وذاكرةِ الكوكبِ
أبي.. يا أبي.. إن تاريخَ طيبٍ
وراءك يمشي، فلا تعتبِ
على اسمِكَ نمضي.. فمن طيّبٍ
شهيَّ المجاني إلى أطيبِ
حملتُك في صَحو عينيَّ حتى
تهيَّأ للناس أنَّي أبي..
أشيلُك حتى بنبرة صوتي
فكيف ذهبتَ.. ولا زلتَ بي؟
إذا فُلَّةُ الدار أعطتْ لدينا
ففي البيت ألف فمٍ مُذهبِ
فتحنا لتمّوزَ أبوابنا
ففي الصيف، لابدُ، يأتي أبي

في الأدب العالمي

في رواية «كبرياء وتحامل» للكاتبة الإنكليزية جين أوستن، يحضر الأب بينيت كما تهوى البنات أن يكون الأب، حنوناً ومحباً وهادئاً ومتفهماً، يتحمل زوجة مزعجة وثرثارة من أجل كيان الأسرة، أب يربي ابنته على الكبرياء والأنفة، يعلمها أن التنازل عن الكرامة من شيم الضعفاء الذين تزدريهم النفس الأبية مهما بلغ شأنهم في الحياة.

وفي رواية «البؤساء» للكاتب الفرنسي فيكتور هيغو، الأب جان فالجان هو أب بالتبني، لكنه يسخر حياته كلها لسعادة ابنته، ويجعل ذلك هدف حياته، من أجل هذا الهدف يعيش، يعوض بفرحها سنين البؤس والحرمان والتشرد التي عرفها في بداياته. وبالرغم من مغامرات هروبه من مفتش الشرطة الذي يصر على مطاردته على الرغم من المكانة الاجتماعية التي وصل إليها، لكن ذلك لا ينسيه هدفه أبداً، وهو سعادة كوزيت وراحتها.

في قصة «مدينتين» للروائي الإنكليزي تشارلز ديكنز، الأب الطبيب المرموق مانيت، الذي كان في السجن في فرنسا، يصنع الأحذية كي تلهيه عن فظاعات السجن، يصبح أباً حانياً، علاقته بابنته علاقة حب قوية حيث يسعى دوماً لراحة ابنته وسعادتها وأيضاً يكرس حياته لهذا الهدف.

أقوال الفلاسفة

أب واحد خير من عشرة مربين (جان جاك روسو).

لا يغفو قلب الأب، إلا بعد أن تغفو جميع القلوب (ريشيليو).

من لا يستطيع أن يقوم بواجب الأبوة، لا يحق له أن يتزوج وينجب أبناء (جان جاك روسو).

ليس هناك فرح أعظم من فرح الابن بمجد أبيه، ولا أعظم من فرح الأب بنجاح ابنه (سوفوكليس).

ليس أرق على السمع من كلام الأب يمدح ابنه (ميناندر). الأب وحده الذي لا يحسد ابنه على موهبته (غوته).

في حياة المرأة ثلاثة رجال: الأب وهو الرجل الذي تحترمه، والأخ وهو الرجل الذي تخافه، والزوج وهو الرجل الذي يحبها وتحبه (وليم شكسبير).

يعترف الأب بابنه سواء كان موهوباً أو بلا موهبة (كونفوشيوس).

ليس هناك مكان ينام فيه الطفل بأمان مثل غرفة أبيه (فريدريك نوفاليس).

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن