الأخبار البارزةشؤون محلية

وزارة التنمية الإدارية تخالف قوانين هيئة الرقابة والتفتيش … مصادر في الهيئة: وجّهنا كتاباً لرئاسة مجلس الوزراء وجاء الرد بتطبيق القوانين

| محمد راكان مصطفى

انطلق أول أمس مؤتمر الإصلاح الإداري الذي يأتي في ذكرى مرور أربع سنوات على إطلاق المشروع، تحت شعار «إدارة فعالة نحو مؤسسات دينامكية».

وبالرغم من أن جوهر مشروع الإصلاح الإداري وأحد أهم أهدافه هو مكافحة الفساد، إلا أنه تم تغيب الأجهزة الرقابية المختصة بمكافحة الفساد (الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش والجهاز المركزي للرقابة المالية)، ويتبين ذلك من جدول أعمال المؤتمر الذي وصلت للأجهزة الرقابية نسخة منه، حيث لم تتم مشاركة هذه الأجهزة بأي محور من محاور المؤتمر، وحتى لم يتم توجيه دعوة لها للحضور!

الهياكل التنظيمية الجديدة المنفذة في كل من وزارات الأشغال العامة والإسكان والمالية والإدارة المحلية والبيئة، كخطوة أولى، ليتم بعد ذلك تطبيق هذه الهياكل على باقي الوزارات، تمت حسب وزارة التنمية الإدارية بهدف إيجاد دينامكية مبتكرة، وذلك عبر دمج بعض المديريات بعد تخفيض توصيفها الوظيفي تحت إيجاد إدارات جديدة، فعلى سبيل المثل تم تخفيض توصيف مديرية الرقابة في الوزارات ودمجها مع كل من مديرية المالية والعلاقات العامة والإعلام وأمانة السر وإدماجها جميعاً في مديرية الدعم التنفيذي التي جاءت عوضاً عن مديرية مكتب الوزير.

بعيداً عن مناقشة مدى إيجابيات وسلبيات هذا الدمج على أداء مؤسسات القطاع العام وانطلاقاً من أن المصلحة العامة أولوية عن أي مصلحة فردية، يطوف سؤال غاية في الأهمية، وهو كيف يقوم القائمون على تنفيذ مشروع الإصلاح الإداري الهادف إلى مكافحة الفساد وضمان حسن تطبيق الأنظمة والقوانين، بمخالفة نصوص قانون الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش رقم 24 لعام 1981، عند قيامهم بتخفيض توصيف مديريات الرقابة الداخلية؟

إلغاء للرقابات

الوطن تابعت هذا الموضوع مع الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش المسؤولة عن الجانب الفني لعمل هذه الأجهزة الرقابية، لكونها تتبع إدارياً بشكل مباشر إلى رأس الهرم في الجهة العامة.

مصادر «الوطن» في الهيئة أكدت عدم إبلاغها أو استشارتها عند إجراء عمليات الدمج في الوزارات الثلاث، مشددة على أن هذا الإجراء يعتبر مخالفاً لقانون الهيئة، موضحة أن هذا القرار فيه انتهاك لسرية المراسلات والتقارير التفتيشية المتبادلة بين الهيئة ومديريات الرقابة في الجهات العامة، لكونه سيطلع عليها مدير فرعي (مدير الدعم التنفيذي) وهو موظف غير معتمد من قبل الهيئة، (فهو غير محلف كما أنه ليس مفتشاً).

وأوضحت المصادر أنه وكون الرقابات الداخلية أحدثت بموجب قانون الهيئة فإن أي فصل أو تعديل في عملها وصلاحياتها يجب ألا يتم إلا بموافقة الهيئة والقانون الناظم لعملها، معتبرة أن تنفيذ التخفيض في الوزارات الثلاث الأشغال العامة والإسكان والمالية والإدارة المحلية والبيئة من دون موافقة الهيئة تترتب عليه أضرار مادية وقانونية تستوجب المحاسبة.

وكشفت المصادر أن الهيئة وجهت كتاباً إلى رئاسة مجلس الوزراء حول المخالفات المرتكبة نتيجة هذا الإجراء، وبينت أن الجواب جاء من رئاسة المجلس بضرورة التقيد بالعمل بموجب الأنظمة والقوانين الناظمة، ما يعني ضرورة الالتزام بالقانون الناظم لعمل الهيئة، مضيفة: ولأنه مازالت النية باستكمال الدمج في باقي الوزارات مستمرة، بينت أن الهيئة تعمل على إعداد كتاب جديد إلى رئاسة المجلس حول هذا الموضوع.

وأشارت المصادر إلى أن التحقيق هو من اختصاص السلطة القضائية وأن القانون 24 الناظم لعمل الهيئة منحها صلاحية التحقيق الإداري وبموجب القانون أيضاً تفوض الهيئة الرقابات الداخلية بهذه الصلاحية، مشيرة إلى أن المكلف بوظيفة الرقابة الداخلية محلف ومعتمد من قبل الهيئة، كما أنه يمتلك حصانة، ولا يجوز نقله أو إعفاؤه أو معاقبته.. إلا بموافقة رئيس الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، معتبرة أن تخفيض المرتبة الوظيفية للمديريات من دون موافقة الهيئة يعتبر مخالفة واضحة لنص القانون.

واعتبرت المصادر أن تخفيض الصفة الوظيفية لمديريات الرقابة الداخلية سوف يؤثر سلباً في عملها عبر فقدانها عدداً من الأدوات والوسائل والميزات اللازمة لعملها بالشكل المطلوب، كما أنه سيعوق المهمات الرقابية التي تحتاج في كثير من الحالات للسرية في العمل لكون تخفيض الصفة الوظيفية سيوجب عليها الحصول على موافقة مدير الدعم التنفيذي وذلك من شأنه أن يفسد إجراءات الرقابة وخاصة في الحالات التي تحتاج إلى سرعة في التدخل وسرية في التنفيذ.

وأكدت أن كل ذلك سيؤدي إلى طلب العديد من مديري الرقابة إعفاءهم من هذه المهمة، كما أنه سيعوق إمكانية تكليف الهيئة للرقابات الداخلية لأن وجود مدير فرعي غير معتمد من قبلها أصبح يشكل عائقاً في التواصل بينهما، واصفة قرار التخفيض بأنه إلغاء للرقابات الداخلية في الجهات العامة.

ونوهت المصادر إلى أن تجربة الرقابات الداخلية في الجهات العامة عمرها 50 عاماً وأي إجراء رقابي يجب أن يبنى عليها لا على تفريغها، خاصة أنها أثبتت نجاحها بدليل أن القطاع العام صمد على مدار سنوات الحرب على سورية ومازال صلباً وصامداً ما يعني أن هذا البناء تم على أسس ناجحة وأحد هذه الأسس هو الرقابات الداخلية، مؤكدة أن الهيكلية الحالية لأجهزة الرقابة الداخلية في جهات القطاع العام تمت بناء على دراسة دقيقة بحيث تتناسب مع الوحدة الإدارية، متدرجة من مديرية في وزارة وصولاً إلى شعبة في مديرية، وذلك وفقاً للتخصص المكاني والزماني، لافتة إلى أن إجراء التخفيض أحدث خللاً إدارياً في بعض الوزارات لكونه أصبح مدير الرقابة في الوزارة رئيس دائرة في حين يتبع له مديرو رقابة في بعض المؤسسات التابعة للوزارة!

وتساءلت المصادر في ختام الحديث عن الهدف من وراء إلغاء تفعيل الرقابات الداخلية عبر دمجها، وأكدت أن محاولة وزارة التنمية الإدارية تكليف مديريات التنمية في الجهات العامة القيام بمهام وليس من صلاحياتها إجراء الرقابة على الجهة العامة، مع التأكيد على أن ذلك غير صحيح وليس فيه جدوى لعدم وجود صيغة قانونية تسمح لها بالقيام بذلك كما أنه لا قوة للتقارير الصادرة عنها، مؤكدة أنه من غير المقبول أن تحاول الوزارة توسيع مهام مديريات التنمية الإدارية في الجهات العامة على حساب باقي المديريات، وأن ذلك سيؤدي إلى حدوث خلل وتداخل بالعمل.

يقلل من الاستقلالية

بدوره بيّن عضو مجلس الشعب استاذ القانون في كلية الحقوق بجامعة دمشق الدكتور محمد خير العكام في حديثه لـ«الوطن» أن الرقابات الداخلية تعمل بتنسيق مباشر مع الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، ووصفها بأنها الذراع التنفيذية للهيئة في الجهات العامة، وأنها تقوم بما تكلفها به من مهام تتعلق بالأعمال الرقابية والتفتيشية.

ورأى العكام أن المشكلة في عملية الدمج هو أن تصبح الرقابة تتبع لمدير غير معتمد من الهيئة، يجب ألا يطلع على ما تقوم به الرقابة من أعمال.

ووصف العكام العمل الرقابي في سورية بأنه غير فعال مرجعاً ذلك إلى قلة الاستقلالية، وقال: الاستقلال غير موجود على مستوى الهيئة بسبب تبعيتها لرئاسة مجلس الوزراء، مضيفاً: ولأن هدف الإصلاح الإداري إصلاح الخلل الموجود في القطاع العام فمن غير المعقول أن يأتي هذا الإجراء ليصنع خللاً جديداً عبر الحد من استقلال الوحدات الرقابية في المؤسسات الحكومية.

العكام قال: من المؤكد أننا مع الإصلاح الإداري، ولكن من الضروري أن ندرس الإجراءات الخاصة بالإصلاح بحيث تؤدي الإجراءات المسؤولة عن تنفيذها وزارة التنمية الإدارية إلى قطاع إداري أكثر قوة ورشاقة.

وعن تكليف مديريات التنمية الإدارية ضمن برامجها في الوزارات بإجراء عملية الرقابة، اعتبر العكام أن هذا سوف يؤدي إلى تداخل بينها وبين الجهات الرقابية (الجهاز المركزي للرقابة المالية والهيئة المركزية للرقابة والتفتيش) وبدلاً من تداخل العمل الرقابي بين هاتين الجهتين سوف يكون هناك تداخل جديد وسيؤدي ذلك إلى خلل إداري كبير.

العكام رأى أن وزارة التنمية الإدارية تتعامل كأنها وزارة الوزارات، مؤكداً ضرورة أن تقوم بما يتعلق بالتنمية الإدارية من مهام، وذلك بعد أن تقوم بتوصيف واضح لما تعنيه التنمية الإدارية، وشدد على ضرورة عدم دخولها في مهام أخرى بمحاولة منها لتوسيع مهامها على حساب وزارات أخرى مهامها موصفة سابقاً بموجب قوانين، وقال: هذا الأمر يشير إلى وجود مشكلة في عمل وزارة التنمية الإدارية.

يخل بسرية التحقيق

بدوره أستاذ القانون في كلية الحقوق في جامعة دمشق المختص بقوانين الأجهزة الرقابية الدكتور محمد العموري أوضح أن القانون الناظم لعمل الهيئة جعل الرقابة الداخلية في الجهات العامة مرتبطة بالوزير أو رأس الهرم في الجهة العامة بشكل مباشر.

وشدد على ضرورة أن يكون من يتعامل مع تقارير الرقابات حاصلاً على موافقة بذلك من قبل الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش بشكل مسبق، معتبراً أن إعطاء الصلاحيات لعاملين في الجهات العامة بالاطلاع على نتائج تقارير الرقابات الداخلية من غير المعتمدين من قبل الهيئة (كمدير الدعم التنفيذي)، والتدخل بالتقارير غير صحيح ومخالف لأحكام قانون الهيئة، ووصفه بأنه إجراء يخل بسرية التحقيقات التي تقوم بها الرقابات.

واعتبر العموري أن تكليف مديريات التنمية الإدارية بمهام الرقابة على عمل الجهات الموجودة فيها غير ممكن لكون هذه المديريات ترتبط بوزارة (التنمية الإدارية) التي مهامها محددة بموجب قوانين ليس من ضمنها أعمال الرقابة على الجهات العامة، خاصة في ظل وجود جهازين مختصين بهذه المهام وهما الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش والجهاز المركزي للرقابة المالية، مضيفاً: هناك الكثير من الأصوات التي تطالب بفصل الاختصاصات بينهما منعاً لتداخل المهام، متسائلاً: فكيف ندخل طرفاً جديداً لنصبح بحاجة إلى حل منازعات وليس فقط لفصل مهام بين الجهات؟

وتابع قائلا: ناهيك عن أن الأعمال الرقابية بحاجة إلى مفتشين ومدققين ليستطيعوا الرقابة على الجوانب الإدارية والمالية، وخاصة المالية التي تحتاج إلى أشخاص مؤهلين، كالمفتشين الموجود معظمهم في جهاز الرقابة المالية.

ولفت العموري إلى أن إعطاء مهمة لموظفين للقيام بدور الهيئة والجهاز سيؤدي إلى إنتاج تقارير من دون فائدة، يجدر السؤال عن قانونيتها وعما تنتجه من آثار مفيدة؟

وشدد العموري على ضرورة إعادة هيكلة الأجهزة الرقابية ومنحها استقلالية أكبر، لافتاً إلى أنها بحاجة إلى مشروع متكامل يجب أن يبدأ بتأهيل المفتشين وتحسين أوضاعهم مادياً.

مدير رقابة داخلية في إحدى الجهات العامة قال: لأن الموضوع يتعلق بعمل أجهزة الرقابة الداخلية التي تخضع لقانون الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش ونظامها الداخلي، ولأن هذا القانون مازال ساري المفعول حتى الآن على الأقل، ومن وجهة نظر قانونية بحتة كان يجب حصول حوار صريح ومباشر بين وزارة التنمية الإدارية والهيئة المركزية للرقابة والتفتيش لمناقشة أسس وأطر عمل أجهزة الرقابة الداخلية ضمن مشروع الإصلاح الإداري.

وأضاف: القاعدة القانونية المعروفة تنص على أن القانون لا يلغى ولا يعدل إلا بقانون، وبهذه الآليـــة يمكــن تعديـل قانون الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش ونظامها الداخلي – في حال الإصرار على تعديل مستويات الرقابة الداخلية ودمجها، ليكون أساسا لعمل الأجهزة الرقابية في كافة الجهات العامة- فأساس العمل الإداري والمالي هو الأنظمة والقوانين.

وتابع قائلاً: هذا من جهة ومن جهة ثانية فإن إضعاف دور أجهزة الرقابة الداخلية عبر تخفيض مستوياتها الوظيفية من مديريات إلى دوائر سيعطي حتماً نتائج غير إيجابية لأجهزة رقابية تعاني أصلاً من صعوبات شديدة في أداء عملها اليومي بمكافحة الفساد والهدر على أكمل وجه.

وختم قائلاً: باعتقادي أن العبرة في تطوير العمل الرقابي ليست في تغيير القوانين السارية المفعول حالياً بل العبرة في تنفيذ ما ورد في هذه القوانين.

مخالفة أخرى

أخيراً وفي سياق مواز تفيد معلومات «الوطن» بأنه لا يوجد لدى وزارة التنمية الإدارية مديرية رقابة داخلية، ما يعني ارتكابها مخالفة أخرى لقانون الهيئة، والسؤال: لماذا لم تقم الهيئة بإجراء المقتضى القانوني بحق المخالفة المرتكبة من قبل الوزارة؟!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن