قضايا وآراء

كل الدروب تمر عبر دمشق

| منذر عيد

تحشد الولايات المتحدة الأميركية جل قوتها، للدخول من المعابر الإنسانية إلى سورية بلبوس جديد ومختلف عما شهدته السياسة الأميركية في عهد الإدارات السابقة، فأخذ موضوع فتح المعابر أمام إدخال «مساعدات إنسانية» إلى المناطق التي تسيطر عليها التنظيمات الإرهابية (إدلب)، والتنظيمات الانفصالية (مناطق سيطرة ميليشيات قسد) الكثير من الزخم في الأيام الأخيرة، ابتداء بما تم تسريبه عقب القمة التي جمعت الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي جو بايدن في السادس عشر من الشهر الجاري في جنيف، حيث طغى على ذاك الملف كثير من الغموض حيناً، والتأويلات أحياناً أخرى، ففسر الأميركي والأوروبي الموضوع وإدخال المساعدات وفق هواهم السياسي، وروج الكثير لصفقة ما بين الروسي والأميركي، صفقة تفضي إلى حل ما في هذا الشأن، كما نقل موقع «ذا ناشيونال» ترجيح القائم بأعمال مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، جوي هود، بأن تعقد الولايات المتحدة صفقة مع روسيا بشأن إيصال المساعدات الإنسانية إلى سورية.
بين التأويل والتحليل والإيحاء، خرج بالأمس وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ليضع النقاط على الحروف، وليشرح للبعض مما يصعب عليه استيعاب الموقف الروسي وعبر أكثر من عشر سنوات، من سورية والوضع فيها، ليؤكد أن دول الغرب مسؤولة عن تردي الوضع الإنساني في سورية، داعياً إياها للاعتراف بمسؤوليتها عن ذلك والتخلي عن التأويل الأحادي الجانب للقضايا الإنسانية.
روسيا وكعادتها جددت أن جميع الطرق إلى أي مكان في سورية يجب أن يمر عبر دمشق، وأن بوصلة تحرك أي «قافلة إنسانية» أو وفد سياسي في الجغرافيا السورية هي الحكومة السورية، وأن دمشق ليست طروادة، وعليه لن تكون «المعابر والمساعدات الإنسانية» حصانها الجديدة، ومن هنا كان تشديد للأمين العام لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا هيلغا شميد، ضرورة مشاركة الحكومة السورية في عمليات نقل المساعدات.
كثيرة هي الصور التي أعاد لافروف توضيح معالمها بريشة حادة الخطوط، وبألوان نارية، غير حمالة أوجه للتأويل أو الخلاف في وجهات النظر حول طبيعتها، فكان بعيداً جداً عن اللون الرمادي في تحديد أطر الصور، واختار لغة صريحة ومباشرة في توصيف الأشياء والمسميات دونما مواربة أو خجل فقال: إن «إدلب التي يسيطر على جزء كبير منها تنظيم «جبهة النصرة» الإرهابي هي المنطقة الوحيدة في سورية، التي يتم إيصال المساعدات الإنسانية إليها من الخارج من دون مشاركة الحكومة السورية الشرعية»، وبأن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يسعيان لعرقلة عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم الأم، وبأن الاحتلال الأميركي يقوم بنهب الثروات النفطية والغاز ويستخدم عائداتها المالية لزيادة النزعات الانفصالية وضرب وحدة الدولة السورية.
في مراقبة لخطوات بايدن على «الدرب السوري»، وتركيزه على بعض القضايا، مثل «المعابر»، وابتعاده بالمجمل عن رسم سياسة واضحة تجاه سورية، يمكن وصفها «بالحادة أو المتهورة» حال سياسة سلفه دونالد ترامب، يمكننا استحضار ما يشاع أو يحكى عن انقسام فريق بايدن، بين «واقعيين» يدعون إلى عدم إيلاء الوضع في سورية تلك الأهمية الكبرى، وخفض سقف التوقعات إزاءه، والاكتفاء بملف الممرات الإنسانية، ومحاربة تنظيم داعش الإرهابي كما يدعون، إضافة إلى ما يسمونه «الملف الكيميائي»، وبين آخرين «صقور» يريدون رفع سقف الموقف الأميركي وممارسة الضغوط على موسكو ودمشق في ملفات سياسية وعسكرية.
وإذا ما ربطنا خطوات البعض المحيط بسورية (التي لا تكون إلا بضوء أخضر أميركي)، بخطوات بايدن، فإن تطورات تشي بمقاربة أميركية جديدة مع الملف السوري، تلك المقاربة يعكسها التحرك الأردني نحو دمشق بعد إحجام لسنوات بسبب تهديد إدارة ترامب وحديث مصادر في دوائر دبلوماسية أردنية بأن الملك الأردني سيحمل «رسالة سورية» إلى الإدارة الأميركية، ستتضمن ضرورة عودة سورية إلى جامعة الدول العربية، ومناقشة ما يسمى قانون قيصر مع بايدن، في قمة مرتقبة خلال شهر تموز المقبل، إضافة إلى الانفتاح الاقتصادي العراقي مؤخراً تجاه دمشق، وكذلك عودة لبنان لمناقشة التعاون مع دمشق.
قد يجتهد البعض في اختراع «ميزان» جديد لحل الأزمة في سورية، كل فينة وأخرى، فتتلون أشكالها وتختلف أحجامها وفقاً لهوى كل «لاعب مخترع»، إلا أن الواقع أكد إخفاق جميع تلك «الموازين» في الوصول إلى صيغة نهائية للمعادلة السورية، والسبب جهلهم بأن بيضة القبان، أو المؤشر فيها يجب أن يكونا صناعة سورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن