من دفتر الوطن

بضاعة صينية

| فراس عزيز ديب

إنتاج الصين، ماذا تنتظر منه؟

هذهِ العبارة شكَّلت في مجتمعاتنا كناية عن رداءةِ هذهِ البضاعة أو اليأس من إمكانيةِ مجاراتها للبضائع الغربية، بل تعدَّاها لتصلَ إلى توصيفِ الإمكانات الشخصية لهذا أو ذاك على أنها أشبه بالآلات الصينية، ضعيفة. يبدو الجذر الشعبي للإيمان بهذه العبارة محق تحديداً لدى المواطن دائِم الاحتكاك بالبضاعة الصينية، لكن في الوقت ذاته على هذا المواطن أن يسأل نفسهُ السؤال البسيط:

لماذا نجحَت هذه البضائع في غزو أسواق العالم من دون أن يكون هناك شكوى؟

ربما يبدو توصيف الصين الحديثة بأنها «ورشة العالم» هو أكثر ما يعطيها حقها، لذلك عند التعاطي مع توصيف البضائع الصينية علينا أن نتذكر بأن كبريات العلامات التجارية الأوروبية باتت في الصين، الولايات المتحدة استجدت المفاوضات التجارية للحد من غزو البضائع الصينية! أليس هناكَ من حلقة مفرغة نتجاهلها عند تقييمنا للبضائع الصينية؟

قبل أن نعيد ونكرر بشكلٍ ببغائي وجهة النظر السلبية من هذه البضائع علينا أن نفكر بجذر المشكلة، أي الوسيط أو المستورد.

هذا الجذر هو نفسه في كل الدول، لكن هناك دول امتلكت نظاماً متطوراً من الناحية التجارية والمصرفية والجمركية وصولاً إلى الرقابية، تسمح للتاجر باستيراد أكثر من صنف لهذه المادة، رخيصة أو غالية الثمن ويبقى الخيار للمستهلك الذي يتصرف حسب قدرته الشرائية. وهناك للأسف من أخفق في جعل التجار يحترمون جودةَ بضائعهم بعدم وجود فروقات بين البضاعة على الورق، والبضاعة الواصلة، ولكي تتضح الصورة نأخذ المثال التالي:

في الأسواق الأوروبية للسيارات الجديدة أصبح الزبون بشكلٍ مباشر هو من يختار السيارة بما فيها المواصفات التي تناسبهُ، بمعزل عن المنشأ، أوروبي أو آسيوي، يستطيع الشاري التحكم بالمواصفات انطلاقاً من «الكتالوج» الأساسي، ويبدأ بتخفيض ثمن السيارة عبر إقصاء الكماليات التي لا يريدها، قد يوفر ألف يورو مثلاً إن اختار اللون الأبيض لا لوناً مركباً.

في سورية القضية لم تقف فقط عند سوق السيارات، القضية قد تتعداها لكل البضائع التي تأتي استيراداً عبرَ الوسطاء، هؤلاء هم من يختارون المواصفات التي تناسبهم بعيداً عن الجودة، قد يتدخلون حتى في سماكة الهيكل الخارجي، ونوعية البلاستيك المستعمل لغرفة القيادة من دون الأخذ بالحسبان إن كانت هذه المواصفات ملائمة لأسواقنا أم لا، واللافت بهذا الأمر أن هذا التقزيم لمواصفات البضاعة لا ينعكس أبداً على انخفاضٍ في أسعار البضائع، بل إن هذا التقتير في المواصفات هو لمراكمة المزيد من الأرباح لا أكثر.

في الخلاصة: من المفيد أن نعي أن ما حققته الصين من تطور صناعي هو إنجاز غير مسبوق، ومن الأفضل عندَ القيام بتقييم بضائِع كهذه أن نتذكر أن هذهِ البضائع التي تصلك كما يطلبها من استوردها للأسواق السورية، بمعزل عن الطريقة أو الخلل الإداري لدينا الذي يسمح بوجود تعدياتٍ كهذه على المواصفات، لكن قبل أن تُعاير بضاعة ما على أنها صينية وهي غزت الجهات الأربع لهذا العالم، تذكر أنك سوقياً محكوم بخللٍ إداري تديرهُ عقلية التاجر السوري.. والباقي عندكم، إلا ما رحم ربي منهم!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن