قضايا وآراء

عن المستنقع الأفغاني وفرص التعاون الروسي – الإيراني: هل يغلق أردوغان بوابة العبور؟!

| فراس عزيز ديب

لم تخرج القمة الأوروبية لبحث العلاقة مع روسيا بجديد. استُبِقت هذه القمة بالكثيرِ من التفاؤل بحدوثِ تراجعاتٍ في آلية التعاطي الأوروبي مع روسية، هذا التفاؤل بُنيَ بالأساس على عاملين الأول هو لقاء «بوتين- بايدن» الذي أشاعَ أجواء إيجابية قد تنعكِس على القرار الأوروبي بالتهدئة مع الجار اللدود، والثاني التصريحات الفرنسية الألمانية التي دعت بشكلٍ واضحٍ وصريح لضرورةِ إجراء محادثاتٍ مباشرة مع روسيا.
بدا وكأن الثقل الذي يمثلهُ البلَدان في الحالة الأوروبية من حيث القوة والنفوذ الاقتصادي والعسكري وحتى البرلماني من حيث امتلاكهما لأكبر عددٍ من الأعضاء في البرلمان الأوروبي سيكون محورياً بتعديل النهج العدائي للروس، لكن هذا التفاؤل سرعان ما تلاشى بعد إصرار عدد من الدول على رفضِ هذه الفكرة، اللافت أن الدولَ المعارِضة هي دول هامشية لا تمتلك أي نفوذ، ليبقى السؤال المطروح هل كانت دعوات الانفتاح والانقلاب عليها مجردَ تبادل أدوارٍ لا أكثر؟
ربما هي كذلك، لتعود الدول الأوروبية من جديد إلى سياسة التعاون الرابح مع الروس بمعنى عدم غلق الأبواب في المجالات التي يجب عليهم التعاون بها مع روسيا، لكن عليهم أن يفهموا هذهِ المرة بأن النهج العدائي هنا اقترنَ باستفزازاتٍ عسكرية في البحر الأسود، هذا يعني بأن تبادل الأدوار تجاوز الحالة الأوروبية ليصل إلى الحالة «الناتوية»، فهل سيقف الاستفزاز هنا أم سيتوسع ليشمل الضرب «الناتوي» من تحت الحزام الروسي مواضعَ أكثر ألماً؟
للإجابة على هذا السؤال علينا أن ندقق بما توصلت إليه ذات القمة بما يتعلق بالعلاقةِ مع تركية. إذ إن التعاطي معها لم يكن كذلك، فعادَ الأوروبيون من جديدٍ إلى سياسةِ العصا والجزرة مع النظام التركي، هذا الأسلوب يظهر في كل مرة تبدو فيها الدول الأوروبية بحاجة إلى خدمات النظام التركي، بعكس الخطاب الاعتيادي المحتد في الأشهر الأخيرة تحديداً بعدَ النزاع النفطي مع اليونان والذي وصل بأحد المسؤولين الأوروبيين للقول: «بما يتعلق بتركيا فإن كل الخيارات مطروحة على الطاولة»، لكن ما الذي تغير؟
لم تكن الدعوات التي أطلقَها رأس النظام التركي لبقاء القوات التركية كبديلٍ للقوات الأميركية في أفغانستان مجرد دعواتٍ مجانية، فالنظام التركي يعشق هذا النوع من البروز ويعتبره امتداداً للنفوذ العسكري الذي يعني بأن تركيا موجودة في كل مكان، في المقلب الآخر لايبدو بأن الأوروبيين سيمانعون هكذا فكرة نظراً للمكاسب الكثيرة التي قد يجنونها من خلال هذه المغامرة، من بينها مثلاً إمكانيةَ الصدام الروسي- التركي.
عندما تقدم نفسكَ كقوة عسكرية قادرة أن تحل مكان الأميركيين في هذا البلد أو ذاك، عليكَ ببساطةٍ أن تقدم بوضوح الأهداف الإستراتيجية لهذا التدخل، فالوقوف في المهرجانات الخطابية والتفاخر بوصول القوات التركية إلى أفغانستان ليسَ هدفاً لأن العواقب قد تكون أسوأ بكثير، فأفغانستان ليست ليبية.
في الحالة الليبية ضرب أردوغان عصافيرَ كثيرةٍ بحجرٍ واحد، بات على مقربةٍ من مصر والجزائر، باتَ أقرب لعمق الاتحاد الأوروبي من خلال الاستثمار بقضيةِ اللاجئين عبرَ إرسالهم باتجاه جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، التي تبعد عن السواحل الليبية نحو ثلاثمئة كيلو متر، والأهم إغلاق السواحل الجنوب غربية التركية على المتوسط والمقابلة للسواحل الليبية واعتبارها مياهاً إقليمية تركية.
شئنا أم أبينا نجح أردوغان بقلب المعادلة في ليبية مستغلاً انشغال العرب بالتآمر على سورية والتصويت على عودتها إلى الجامعة العربية من عدمهِ، لكن الحالة الأفغانية ليست مشابهة، فكيفَ ذلك؟
لم يخطئ وزير الخارجية التركي السابق حكمت تشيتين عندما قال إن بقاء القوات التركية مرهون بموافقة طالبان عدا عن ذلك فهي مخاطرة كبيرة. بذات السياق فإن وزير خارجية النظام التركي ذات نفسهِ تحدثَ عن البقاء بشرط الدعم السياسي والمالي واللوجيستي، حتى فرضية اللعب على حبالِ التمذهب وإفهام الأفغان بأن تركيا دولة مسلمة جاءت لحمايةِ المسلمين تبدو أضغاثَ أحلام لأن الوجود التركي في أفغانستان هو وجود تحت راية «ناتو» التي تراها طالبان وغيرها من الجماعات الراديكالية المتناحرة قوات معتدية، لكن ماذا عن الدول الفاعلة في الملف الأفغاني؟
لايبدو بأن الوضع بالنسبةِ لهذهِ الدول مختلف، فإيران التي تمتلك نفوذاً قوياً في أفغانستان التزمت الصمت وربما أن هذا الصمت مرهون حالياً بالمرحلة الانتقالية بعدَ الانتخابات، لكن واقع الأمر لا يبدو بأن النظرة الإيرانية لبقاء القوات التركية يختلف عن المجموعات التي تدعمها، بل إن الأهمية الجيوسياسية لأفغانستان بالنسبة لإيران قد تدفع بها نحو تعاونٍ منتظر مع الروس يحققون من خلالهِ مكاسبَ كثيرة، كيف لا والحدود الإيرانية مع أفغانستان تقارب الألف كيلو متر وهي مفتوحة على مصراعيها لكل أشكال التهريب والتجارة الممنوعة.
أما الروس فهم لن ينسوا ربما بأن تركيا هي «ناتو» لكن ماعليهم تذكرهُ دائماً بأن فكرةَ سحب تركيا من «ناتو» هي سراب عليهم الكف عن ملاحقته. النقطة الثانية هي أن الروس عارضوا هذه الفكرة عبر تصريحاتٍ مباشرة لمبعوثهم إلى أفغانستان زامير كابولوف، والأهم أن تركيا بدت وكأنها تمردت على الروس في أفغانستان مطلع نيسان الماضي عندما رفضوا توجيه دعوةٍ للروس لحضور اجتماعٍ يناقش مستقبل أفغانستان بعد الانسحاب الأميركي فماذا ينتظرنا؟
مع اقتراب الخروج الأميركي المذل من أفغانستان، تعود بنا الذاكرة إلى الأفلام التي تصور الحرب الفيتنامية، كيف يقوم الأميركيون برمي المتعاملين معهم من فيتنامين ومنعهم من ركوب الطائرة، في الحالة الأفغانية يبدو بأن الأميركيين طوروا قليلاً من سياسةِ الوفاء لعملائهم مع تقديمِ وعود لهم بنقلهم إلى دولٍ أوروبية كلاجئين يتمتعون بحق الحماية. ربما حال هؤلاء المتعاونين مع الاحتلال سيكون ذاته في كل المناطق التي احتلتها الولايات المتحدة، فهل يتعظ البعض؟
لايبدو الأمر كذلك، هم كما النظام التركي حالياً يعيشون وهم فرط القوة الناتج عن وهن الطرف الآخر، هل كان لتركيا أن تفعل ما تفعله في ليبيا لولا الغطاء الأميركي بإضعاف سورية والمحاولات المستمرة لخلخلة الأمن في كل من مصر والجزائر؟ هل كان لتركيا أن تفعل ما تفعله في سورية لولا الغطاء الأميركي؟ ما يجب أن نخشاه الآن بأن يتم التعاطي من قبل الإيرانيين والروس مع الملف التركي في أفغانستان بذات الطريقة، هل سيُصغي الطرفان لصوتِ حتمية التعاون غير المشروط الذي يضع المحاباة لتركيا جانباً ويتعاطى معها على أنها قوة «ناتو»؟! الجواب لديهم لأن أفغانستان ببساطة عمقهم الإستراتيجي والأهم بوابة العبور لنهضة شرق آسيوية أساسها روسيا والصين!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن