قضايا وآراء

الدول النامية ومثلث التحديات

| الدكتور قحطان السيوفي

من أهم المشاكل التي تواجه الدول النامية اليوم ما يسمى مثلث التحديات؛ الأمن الغذائي والتكنولوجيا وعدم القدرة على تحمل الديون في أعقاب أزمة فيروس كورونا بالإضافة لتحديات أخرى، ما يُهدد بدفع الدول النامية إلى موجة متصاعدة من الجوع والفقر والاضطرابات الاجتماعية، حسبما حذر أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة.
أدت التداعيات الناجمة عن جائحة فيروس كورونا، إلى زيادة في مستوى انعدام الأمن الغذائي في البلدان الأكثر فقرا. وفقا لبرنامج الأغذية العالمي، كما أدت الجائحة إلى سقوط 96 مليون شخص في براثن انعدام الأمن الغذائي الحاد عام 2020 في 54 بلدا، ويضاف هذا العدد إلى 137 مليون شخص كانوا يعانون بالفعل انعدام الأمن الغذائي الحاد بنهاية عام 2019 في هذه البلدان، ليصبح العدد الإجمالي 233 مليون شخص بنهاية عام 2020. ويتوقع البنك الدولي، أن يرتفع العدد ليصل إلى 330 مليون شخص عام 2021.
إن السبب في أزمة الغذاء الناجمة عن جائحة كورونا يتمثل في الانخفاض الضخم في الدخل والتحويلات، وبالتالي تراجع قدرة الأسر المعيشية على شراء الغذاء، بالإضافة إلى انخفاض توافر الغذاء وزيادة أسعار المواد الغذائية المحلية في البلدان النامية.
تقرير أممي صدر حديثاً حول حالة الأمن الغذائي في المنطقة العربية حذر من ارتفاع عدد الأشخاص الذين يعانون من الجوع في المنطقة العربية ليصل إلى 75 مليوناً بنهاية العقد الحالي عام 2030.
من جهة ثانية؛ يبدو أن الأنماط الحديثة للتغير التكنولوجي في الاقتصادات المتقدمة جعلت من الصعب على الدول منخفضة الدخل أن تتطور وتتقارب مع مستويات الدخل في بقية العالم، وأسهمت هذه التغييرات في تعميق الازدواجية الاقتصادية والتكنولوجية حتى داخل القطاعات الأكثر تقدما في اقتصادات الدول النامية.
التكنولوجيا والصناعة قد تمكنان البلدان الفقيرة من إيجاد فرص عمل أكثر، العمل في المصانع دفع الكثير من المزارعين ليصبحوا من العمال ذوي الياقات الزرقاء.
تاريخياً في الوقت الذي كان يفقد فيه صانع الشموع وسائق العربة وظيفتيهما، يتم إنشاء عدد أكبر من الوظائف في المصباح الكهربائي أو صناعة السيارات.
مع ذلك التكنولوجيا تساهم إلى حد ما في زيادة البطالة.
كتب مارتن وولف الباحث والاقتصادي المعروف في الفاينانشال تايمز تمنيات ليست سهلة التنفيذ قائلاً: «يقترب العالم من الاتفاق على إنشاء ما يصل إلى 650 مليار دولار في حقوق السحب الخاصة الجديدة داخل صندوق النقد الدولي. التخصيص الأولي لهذه المبالغ يوجب منحها لمن يملكها. لكن من المرغوب فيه إعادة تخصيص نسبة كبيرة من هذه الأموال المجانية، وبالدرجة الأولى لمساعدة الدول ذات الدخل المنخفض على استعادة آفاقها التي أضرت بها كورونا».
بعد مرور عام على تفشي الجائحة، يلاحظ تراكم ديون جديدة على البلدان النامية لبناء جسر التعافي والحصول على اللقاحات، واضطرار بلدان أخرى إلى تخصيص حيّز مالي محدود لتسديد ديونها.
حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في حوار له مع صحيفة «فاينانشيال تايمز» من أزمة ديون عالمية بسبب وباء كورونا تهدد بموجة من الفقر والجوع والاضطرابات الاجتماعية في الدول النامية وأشار إلى أن العالم لا يدرك حجم كارثة الدين، مع إعلان ست دول تخلفها عن دفع الديون، أي الإفلاس، هي الأرجنتين والإكوادور ولبنان وبليز وسورينام وزامبيا.
وأضاف: الانقسام الجيوسياسي ليس عاملاً مساعداً في مواجهة العالم لأزمة الدين العام.
كما نبه إلى أن إخفاق معالجة الديون في الدول النامية سيعرض انتعاش اقتصاداتها للخطر، وزيادة الجوع والفقر ومشكلات الصحة والتعليم، وأحياناً إلى عدم الاستقرار والاضطراب الاجتماعيين، والواقع أن العالم يمرّ الآن بأسوأ ركود منذ الكساد الكبير، مع تعرّض ثلث اقتصادات الأسواق الناشئة بدرجة كبيرة للخطر، ولقد أنفقت الدول الأقل نموّا 580 مرة أقل، من حيث نصيب الفرد، على متطلبات جائحة كورونا، مقارنة بالاقتصادات المتقدمة.
رأى بيتر دويل، وهو مسؤول سابق في صندوق النقد الدولي أن الخيارات الأفضل ستكون سيولة من صندوق النقد الدولي أو منحاً مباشرة، لتغطية 100 مليار دولار التي يقدر الصندوق أن الدول المؤهلة النامية ستحتاجها لمواجهة الوباء.
وتقدر مؤسسة «فيتش» للتصنيف الائتماني أن ترتفع تكلفة خدمة الدين العام في الدول النامية والفقيرة العام القادم إلى 860 مليار دولار.
بالإضافة لما ذكر؛ تواجه الدول النامية تحديات أخرى كالفساد، والاضطرابات السياسية والحروب والأمية والأمراض وسوء البنية التحتية والإفراط في الاعتماد على المساعدات الأجنبية.
في رأينا أن الحاجة ملحة لاتخاذ إجراءات جريئة وملموسة لتوفير السيولة ومعالجة تراكم الديون، خاصة في ظل جائحة كورونا، حيث يزداد عدد البلدان التي تتخلف عن السداد مما يتطلب من المجتمع الدولي تقديم الدعم السريع لجميع البلدان النامية المحتاجة.
إذا لم تتم إجراءات لمعالجة الديون، فإننا نخاطر بمزيد من إضعاف البلدان النامية وخاصة الفقيرة منها، ومن واجب حكومات الدول الصناعية الغنية والمنظمات الدولية، التخلي عن الاعتبارات السياسية المُغرضة والظالمة أحياناً، وتقديم تمويل بشروط ميّسرة للبلدان النامية، ولاسيّما الأقل نموّا، وتوفير التمويل طويل الأجل للبلدان النامية للاستثمار في النمو طويل الأمد.
الحاجة تتطلب اتخاذ إجراءات جريئة وملموسة لتوفير السيولة النقدية ومعالجة تراكم الديون، وذلك مع تخلّف 6 دول نامية حتى الآن عن سداد ديونها منذ ظهور جائحة كورونا، ويزداد عدد البلدان التي من المرجّح أن تتخلف عن السداد هذا العام، المجتمع الدولي مطالب بأن يقدم الدعم اللازم للدول الأقل نموّاً، والدول منخفضة الدخل تواجه تعافياً بطيئاً بشكل مؤلم من شأنه أن يجعل أهـداف خطة التنمية المستدامة لعام 2030 واتـفاق باريس للمناخ بعيدة المنال تماماً.
التوقعات تشير لمزيد من الصعوبات التي تواجهه الدول النامية خاصة مثلث الأمن الغذائي والتكنولوجيا والديون.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن