التنمر يزداد في منصاتنا ويصل حدّ التجريح والإسفاف … وسائل التواصل تؤدي دوراً سلبياً في الإساءة للشخصيات العامة
| سارة سلامة
يبدو أن البلدان العربية باتت مختصة بالتنمر الإلكتروني، ولم تسلم من شره السيدة فيروز التي باتت خلال ساعات قصيرة في مرمى منصات التواصل الاجتماعي بسبب صورة لها برفقة ابنتها ريما، التي علقت عليها: «سيلفي والماضي خلفي». حيث لاقت صورة فيروز وريما رحباني تفاعلاً كبيراً من الجمهور.
الصورة جاءت عفوية بطريقة «السيلفي»، وأطلت فيها فيروز بابتسامة هادئة وشعر منسدل من دون فلتر، كما ظهرت ريما الرحباني بشعر قصير وهي تضحك في سعادة، وجاءت بعض التعليقات على فيروز: «هي لسه عايشة»؟ «كانت متصورتش أحسن»، «أعوذ بالله»، بل امتد التنمر لريما ووصفها بأنها ذكر وليست أنثى بسبب قصر شعرها، وكتبت إحداهن: «يا مامي زي العفاريت زي الزومبي هي وابنها المتحول»! والتعليق الأقل حدة استنكر نشر الصورة من دون استعدادات أو طابع رسمي ولام على ريما بأنها عرّضت والدتها لتلك الانتقادات.
ما يثير الدهشة أن التنمر وصل في بلادنا إلى حد التعبد، وأن أيقونة كفيروز تتعرض لهذه الحملة المسيئة، حيث لم يشفع لها صباحاتها وتاريخها المعتق بتفاصيلنا، فيروز قد تكون صندوق ذكريات لكل منا، حقها اليوم أن تدهش من الرد!!.
فنانون يواجهون التنمر
ولم يمر يومان لتتعرض الفنانة السورية هويدا يوسف لحملة تنمر شرسة أيضاً من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، منتقدين قصة شعرها، لتخرج بتسجيل مباشر مع الجمهور وترد على هذه الانتقادات قائلة: «شعري على راسي انتو شوخصكن»، أسلوب تعاطي الجمهور والانتقادات أثار انفعالها وراحت تبين أنها اضطرت لقص شعرها على إثر مرض مرت به وسقط شعرها، هذا المرض الذي يزيده وجع المرضى الفيسبوكيين في انتهاك خصوصية الأفراد.
يبدو أن كل ذلك دفع أمانة والي لتكتب على صفحتها الشخصية على موقع فيسبوك: «لم أستغرب مما كتبوه على السيدة فيروز لأن الجمهور ليس بجمهور، والناس ليست ناساً عادية، بل عبارة عن غربان ضاعت عندها كل المعاني».
وسبق لوالي أن تعرضت لحملة تنمر منذ فترة على المنصات لأنها ترتدي ثياباً لم تنل إعجاب الجمهور فانهالوا بالسخرية والتعليقات المسيئة.
كما شن عددٌ من روّاد مواقع التواصل الاجتماعي حملة تنمّر على الممثلة القديرة سامية الجزائري، بعد انتشار صورة لها تظهر التجاعيد على وجهها.
وعانت ديمة قندلفت من التنمر أيضاً حيث طالتها انتقادات عديدة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وقالت عن ذلك: «ظاهرة التنمر باتت تسبب الكثير من الألم والأذى النفسي بسبب التعليقات الجارحة، ووجهت ديمة رسالة للجمهور بأن السخرية من الشكل والتقدم في العمر هي اعتراض على الحكمة الإلهية»، وقالت: «ينقصنا الإتيكيت في التعامل مع الأنثى، ما في أبشع من أن تسمع المرأة كلمة بشعانة»، وأردفت: «الكلمة الحلوة تحدث فرقاً كبيراً عند أي شخص».
الفنانون في الواجهة
وصل التنمر حداً بعيداً وخاصة عند فئة الفنانين الذين يعتبرون الأكثر عُرضة للانتقادات اللاذعة، سواء كان ذلك عن الأدوار التي يقدمونها أم لظهورهم في مناسبات عامة، كما لا تخلو حساباتهم على «السوشيال ميديا» من الانتقادات الفجة، وبعضهم قرر التعامل مع ظاهرة التنمر على طريقته الخاصة، فمنهم من يرد بطريقة مهذبة ولا ينجرف إلى أسلوب متدني الأخلاق كما يفعل المتنمر، ومنهم من لا يستطيع كبح جماح غضبه، فيقرر الرد على التنمر بنفس الأسلوب اللاذع.
مرض اجتماعي
ظاهرة التنمر كانت متواجدة بين فئات المجتمع المختلفة، ولكن بصورة أقل حِدة عما هي عليها الآن، فكانت تقتصر على جلسات السمر، وحفلات الزفاف، أو التجمعات العائلية، ولكن مع اختلاط الطبقات الاجتماعية المختلفة من خلال «السوشيال ميديا» أصبح الأسلوب فجاً وأكثر وضوحاً، خصوصاً مع اختفاء الرقابة وعدم وجود قانون صارم يعاقب على التطاول اللفظي في التعليقات، أو على من ينشر صوراً مسيئة لشخص ما.
لاسيما أن هناك طبقة مجتمعية يكمُن في داخلها الشعور الدائم «بالحقد»، الحقد تجاه فئة الفنانين، الحقد تجاه من يمتلك الأموال والأصول، وتجاه من لديه لياقة بدنية وقوام رشيق، أو الشهرة، أو الحقد على من يُحقق ذاته في المجتمع، ومع اختلاف الأسباب ستجد لكل سبب متنمر مُتخصص سيخرج عُقد النقص لديه من خلال التعليقات، حيث أصبح كل من لديه حساب على مواقع التواصل الاجتماعي عُرضة للتنمر، ولا يشترط أن يكون ذا شهرة واسعة، حيث لا يقتصر الوضع على المشاهير فقط، فرُبما ستصادف حملات تهكم على «جروبات» الفيسبوك أو التنمر على صورة شخصية لأحد الأصدقاء.
وعلى الرغم من تعدُد الأسباب والتي لا تحصى، إلا أن كل شخص لديه الأحقية في اتخاذ خطوة جدية كبلاغ رسمي تجاه المتنمرين أو من يتطاول عليه لفظياً، ولكن ما نقف أمامه حتى الآن أن ظاهرة «التنمر» ما زالت تتفشى على الرغم من أن الكلمة ما زالت مستحدثة لبعض رواد السوشيال ميديا.
أنواع التنمر الإلكتروني
أنواع التنمر الإلكتروني هي ذاتها أنواع التنمر العامة من حيث الجوهر، باستثناء الاعتداء الجسدي حيث يتعذر ذلك على شبكة الإنترنت، لكن التنمر الإلكتروني قد يكون مقدمة للاعتداء والتنمر الجسدي، وأبرز أنواع التنمر الإلكتروني:
التنمر اللفظي عبر الانترنت: ويشمل التعليقات والمنشورات والرسائل على مواقع التواصل الاجتماعي أو وسائل الاتصال الإلكترونية، والتي تهدف إلى إيذاء شخص أو مجموعة من الأشخاص، ويتضمن التنمر اللفظي أيضاً استخدام الألفاظ والشتائم والعبارات الجنسية والعبارات التي تحض على الكراهية.
التنمر الإلكتروني عبر نشر المعلومات والصور الشخصية Doxing: وذلك عندما يعمّد أحدهم لنشر معلومات شخصية على الملأ دون استئذان صاحبها – بغض النظر عن نيته- وتكون هذه المعلومات الشخصية سرية أو محرجة أو تسبب إذلالاً لصاحبها، ومن هذه الفئة أيضاً نشر المحادثات دون إذن الطرف الآخر.
القرصنة والمراقبة وسرقة الحسابات الشخصية: حيث يقوم المتنمر بالوصول إلى الحساب الشخصي إما بهدف المراقبة، وإما بهدف انتحال شخصية الضحية والنشر باسمها أو تعديل ملفها التعريفي بشكل مسيء، أو التعليق باسم الضحية تعليقات مسيئة.
التنمر الإلكتروني الجماعي والمنظم والنبذ الإلكتروني: على الرغم من أن حالة التنمر الفردي هي الأكثر شيوعاً عبر الإنترنت، لكن يمكن ملاحظة حالة التنمر المنظّم والجماعي، حيث يقوم مجموعة من الأشخاص باستهداف شخص معين وملاحقته بطريقة مسيئة ومستمرة، ويعتبر النبذ الإلكتروني واحداً من أشكال التنمر الإلكتروني المنظَّم.
تنمر صانعي المحتوى الإلكتروني: ويشمل ذلك الشخصيات المؤثرة وصانعي الفيديو عبر يوتيوب والمدونين وكل من يعمل في صناعة المحتوى الإلكتروني.
التنمر الإلكتروني عبر مشاركة المحتوى المسيء: ليس فقط ما نقوم بكتابته أو نشره؛ بل ما نقوم بمشاركته والمساهمة بانتشاره أيضاً يعتبر شكلاً من أشكال التنمر الإلكتروني، فمشاركة الفضائح أو المعلومات التي تشكِّل إساءة لشخص أو جماعة تعتبر تنمراً إلكترونياً.