قضايا وآراء

إرهاب محاربة الإرهاب

| أحمد ضيف الله

بعد إعلان تركيا في الـ30 من نيسان2021 عن إنشاء قاعدة عسكرية تركية ضخمة داخل الأراضي العراقية في منطقة (ميتينا)، كنتيجة للعملية العسكرية التي أطلقت عليها اسم (مخلب البرق– الصاعقة) في الـ23 من نيسان الماضي، بحجة ملاحقة مقاتلي حزب العمال الكردستاني. توسع نشاط الجيش التركي ليحتل عشرات الكيلومترات في عمق الأراضي العراقية.
القوات التركية الآن موجودة داخل الأراضي العراقية بعمق يتراوح بين (25) إلى (30) كم، مسيطرة على مناطق عراقية بعرض (50) كم، منشأة بذلك أكثر من (70) موقعاً ما بين قاعدة، ونقطة عسكرية، ومركز استخبارات، ناشرة أكثر من 3 آلاف عسكري تركي في المنطقة، وهو ما يفوق عدد القوات الأميركية وقوات التحالف الدولي المنتشرة الآن في العراق!.
ومع عمليات التوسع والانتشار التركي داخل الشمال العراقي، تقوم تركيا بحملة منظمة لتجريف أراضي المناطق الحدودية، مُدمرة بذلك مساحات شاسعة من الغابات الطبيعية والمزارع، فالجيش التركي يقوم بداية بقصف مكثف للمناطق بقذائف حارقة، لتلتهم الحرائق بساتين وحقول المنطقة وكل المحاصيل الزراعية، ثم يقوم وبالاستعانة بشركة خاصة بقطع الأشجار في المناطق التي يسيطر عليها، ونقلها إلى تركيا.
وزارتا الزراعة العراقية وفي إقليم كردستان، استنكرتا ذلك، مبينتان في بيان مشترك لهما في الـ1من حزيران 2021، أن «مجموعة من الشركات التركية وبمساعدة من القوات التركية، قامت بقطع أشجار الغابات الطبيعية في مناطق بادينان في الإقليم، ونقل تلك الأشجار المقطوعة إلى داخل تركيا والتجارة بها»، وأن تلك الشركات «تنقل يومياً ما يقارب 450 طناً من الأشجار إلى داخل الأراضي التركية».
أضرار التوغل التركي بحجة مقاتلة حزب العمال الكردستاني، لم تقتصر على تدمير الثروات الطبيعية والمحاصيل الزراعية في تلك المناطق فقط، بل طال أيضاً المعالم التاريخية في المنطقة، فقد أعلن مدير دائرة آثار محافظة دهوك، عن تعرض بعض المواقع الأثرية للقصف والحرق، مشيراً إلى أن «بعض الآثار تعود إلى عهود إسلامية، ومسيحية، ويهودية».
كذلك تسبب التوغل التركي في إخلاء أكثر من 50 قرية من سكانها في مناطق محافظة دهوك، على حين تعيش أكثر من 500 قرية في الشمال العراقي حالة حرب بسبب هذا التوغل.
من جانب آخر، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وفي تصريحات نقلتها وكالة (رويترز) في الـ2 من حزيران الجاري، عد مخيم مخمور الذي يقع على بعد 250 كيلومتراً جنوبي الحدود التركية – العراقية الذي يؤوي لاجئين أتراكاً منذ أكثر من 20 عاماً، «حاضنة للمقاتلين ويتعين التعامل معه»، مهدداً بأنه «إذا لم تطهره الأمم المتحدة فسنقوم نحن بذلك باعتبارنا دولة عضو بالأمم المتحدة»!. وفي الـ5 من الشهر ذاته، قامت طائرة تركية بقصف حديقة للأطفال واقعة قرب مدرسة في المخيم، أدى إلى سقوط ثلاثة قتلى وعدد كبير من الجرحى.
رئاسة جمهورية العراق وفي بيان لها، اعتبرت الهجوم على مناطق مخيم مخمور «تصعيداً خطيراً يعرض حياة المواطنين للخطر بما فيهم اللاجئون، ويتنافى مع القانون الدولي والإنساني»، داعية إلى «ضرورة منع انتهاك السيادة العراقية، وسحب القوات التركية الموجودة في مناطق الإقليم والموصل، التي تُعتبر انتهاكاً لمبدأ حسن الجوار، ومخالفة للأعراف والمواثيق الدولية».
تقرير لفضائية (العراقية) شبه الرسمية كشف في الـ15 من حزيران الجاري عن أن الهجمات المتكررة من الجيش التركي كبدت العراق خسائر مالية تصل إلى 6 مليارات دولار من جراء نزوح الأهالي وتهديم المنازل وتجريف وإحراق الأراضي الزراعية والبساتين، إضافة إلى نزوح أكثر من 300 عائلة عراقية، مؤكداً أن القوات التركية قامت خلال عملياتها العسكرية بتجريف 20 كيلومتراً مربعاً من الأراضي الزراعية والبساتين.
بالمقابل، اعتبرت كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني في برلمان إقليم كردستان في بيان لها، أن «حزب العمال الكردستاني يمنح الذريعة دائماً لتركيا ولا يتعامل بمسؤولية مع أوضاع إقليم كردستان الحساسة، بل على العكس يريد أن يدفع الإقليم وشعبه وطبيعته ضريبة تلك الذرائع التي يمنحونها للحكومة التركية»!.
لجنة الأمن والدفاع النيابية العراقية قامت بزيارة ميدانية للمنطقة في الـ19 من الشهر الجاري وأعدت تقريراً بالزيارة، مؤكدة أن «الاحتلال التركي للأراضي العراقية يتنافى مع جميع مفاهيم حسن الجوار، كما أنه يخرق القانون الدولي، وأن حججها لا تسمح لها باقتحام أراضي دولة أخرى»، مشيرة إلى أن اللجنة اقترحت في تقريرها الذي سترفعه إلى القائد العام للقوات المسلحة «عدداً من الأمور، من بينها إرسال قوات اتحادية».
التوغل العسكري التركي في العراق وسورية تحت ذريعة «محاربة الإرهاب»، هو إرهاب بحد ذاته، لا يختلف في جرائمه ووحشيته عن تلك التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية والسورية واللبنانية بشيء، وهو في حقيقته يمثل سياسة عثمانية توسّعية إستراتيجية في المحيط الإقليمي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن