يبدو أن جميع الإدارات الأميركية أثناء الحرب الباردة 1951 – 1991 وما بعدها منذ تفتت الاتحاد السوفييتي حتى الآن ما تزال تستخدم التهم نفسها التي روجتها ضد الاتحاد السوفييتي للسيطرة على روسيا والدول السوفييتية في ذلك الوقت وهي التهم التي كررها الرئيس الأميركي جو بايدن بعد فوزه بالرئاسة حين دعا في أيار الماضي إلى توحيد «كل الدول (التي تصدق بديمقراطية أميركا) إلى توحيد دورها مع القيادة الدبلوماسية للولايات المتحدة» والمقصود ضد روسيا والصين اللتين يتهمهما «بالعداء للديمقراطية وحقوق الإنسان» فترويج هذه التهمة ضد كل من يناهض سياسة العدوان والهيمنة الأميركية أصبح سلاحاً تستخدمه واشنطن في كل مكان، أما الدول التي تخضع للسياسة الأميركية فتصبح بنظر بايدن دولاً ذات قيادة ديمقراطية وتحترم حقوق الإنسان؟!
وحين يستعرض المراقبون عدد الدول التي تفتقر لأي شكل من أشكال النظام الديمقراطي – الانتخابي البرلماني أو الرئاسي في العالم يجدون أن الولايات المتحدة أقامت تحالفات مع أكثر عدد من هذه الدول الاستبدادية الملكية وغير الملكية في العالم ونراها تدافع عن بقاء أنظمة حكمها في الأمم المتحدة وفي المحافل الدولية برغم سجلها العلني الحافل بالتنكر لأبسط حقوق الإنسان ولا أحد ينسى دعمها هي وبريطانيا لدولة جنوب إفريقيا العنصرية والكيان الإسرائيلي.
ومع ذلك يرى عدد من مراكز الأبحاث الأميركية أن الإدارات الأميركية لم تكن ديمقراطية حتى في سياستها الداخلية التي تميزت خلال قرون بالتمييز العنصري ضد السود ولم تشجع على إنهاء هذه السياسة حتى وقتنا الراهن، أما في السياسة الخارجية فإن أقدم الدول الحليفة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا ما تزال تحكمها أنظمة حكم ملكية بلا دستور وبلا حقوق للإنسان بل إن واشنطن تهدد كل من يعارض هذه الدول وحكامها.
وبالمقابل يريد بايدن في هذه الأوقات حشد أكبر عدد من هذا النوع من الدول وغيرها من دول العالم ضد روسيا الاتحادية والصين وحلفائهما في إيران وسورية ولتحقيق هذه الغاية وتحت عنوان «الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان» أعد بايدن وبعض دول حلف الأطلسي وفي مقدمها تركيا التي تتطلع إلى توسيع تدخلها برعاية أميركية في دول كثيرة باسم حماية المسلمين في الصين وروسيا، خطة يريد من خلالها استهداف هاتين القوتين الكبيرتين. ولهذه الغاية بدأت تزداد العلاقات بين أوكرانيا وأردوغان من أجل تحويل مسألة استعادة شبه جزيرة القرم إلى سيادة الاتحاد الروسي إلى منصة تحريض وعداء علني ضد روسيا بتحالف أوكراني- تركي– أميركي في البحر الأسود وخاصة بعد أن ندد أردوغان بانضمام شبه جزيرة القرم إلى موسكو وطالب بإعادتها إلى أوكرانيا؟! وهذا ما دفع سفير ألمانيا في أوكرانيا أول من أمس إلى تحذير أردوغان وأوكرانيا من حرب روسية لا تقتصر منطقتها على البحر الأسود بل سيتورط فيها الحلف الأطلسي وتتسع ساحة عملياتها لتشمل أوروبا، وهذا ما لا ترغب به فرنسا وألمانيا ودول أوروبية أخرى.
ويبدو أن أردوغان سيخاطر بمستقبل تركيا كلها إذا ما انخرط مع بايدن وأوكرانيا في استفزاز روسيا في البحر الأسود. وبالمقابل لم يكن من الصدفة أن تعرض موسكو قبل يومين من موعد المناورات البحرية الأطلسية في البحر الأسود أكبر وأقوى غواصة حربية في التاريخ لإبلاغ رسالة إلى بريطانيا والولايات المتحدة وحلف الأطلسي. فهذه الغواصة التي تحمل اسم «بيلغورود» ذكرت المصادر العبرية والإسرائيلية والغربية عن انطلاقها للبحر قبل أيام قليلة ويصفها الغرب باسم «مدمرة المدن» وتحمل صواريخ نووية من نوع بوسيدون البحرية القادرة على توليد موجات تسونامي بحرية بارتفاع مئة متر لإبادة المدن وهي قادرة على تصفية أي حاملة طائرات أميركية ولهذا السبب قامت البحرية الأميركية بإجراء تجربة قبل أيام أيضاً فجرت فيها 20 طناً من المتفجرات قرب حاملة طائرات أميركية لرؤية مدى تأثيرها على هذه الحاملة إذا ما تعرضت هذه الغواصة الروسية وصواريخها المدمرة للمدن لضربة من تسونامي وتشير المصادر العبرية إلى أن هذه الغواصة لا يحركها ويصدر الأوامر لها إلا الرئيس الروسي بوتين بنفسه وكأنها تشبه حقيبة مفاتيح السلاح النووي الأميركي التي يحملها أي رئيس أميركي في تنقلاته.
ومن الواضح في الختام أن هذه الغواصة ستشكل أكبر قوة ردع سريع ومتوافر في كل لحظة ضد كل من يحاول الاعتداء على روسيا الاتحادية وهذا ما جعل السفير الألماني في أوكرانيا يخشى من أي استفزاز ضد موسكو.